نرفع رأسنا عالياً بانتصارات أهلنا المقاومين في غزة ونعتزّ، أيّما اعتزاز، بصمودهم الأسطوري. إننا ننحني أمام شهداء غزة الذين زاد عددهم خلال أسبوعين من مجزرة صهيونية مستمرّة عن سبعمئة شهيد، وبلغ جرحاهم ما يزيد على ستة آلاف.

لا توجد قيمة مضافة للعرب الذين يؤمنون بالمقاومة عندما ألفت انتباههم إلى أن «إسرائيل» ترتكب جرائم إبادة موصوفة في حق أهلنا الغزاويين، إلاَّ أن القيمة المضافة هي قول ذلك أمام حماة «إسرائيل» والإمبراطوريات الغربية الجائرة. هذه هي «إسرائيل» التي تقضي على شعبنا بالأسلحة الأميركية من طائرات ومدافع ودبابات، وتغيّب عن الوجود أسراً فلسطينية بكامل أفرادها وتدمّر البيوت والمشافي، حيث تنتشر أشلاء الشهداء من أطفال ومدنيين أبرياء في سائر الشوارع وتحت الأنقاض. معظم الشهداء من الأطفال الذين لا جريمة لهم سوى لجوئهم إلى أحضان أمهاتهم وجداتهم هرباً من آلة القتل «الإسرائيلية». أما الجرحى الذين لم نسمع بعددهم الكبير نسبياً في حروب كلاسيكية، فهم ضحايا تتحمل مسؤولية جروحهم وعدم قدرة المشافي الفلسطينية على استيعابهم «إسرائيل» ومن يدعمها، علماً أن الكثير من المراقبين يعتبرونها أشنع من الجرائم التي ارتكبتها النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

إن «إسرائيل» ترتكب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة المحاصرة وذات المساحة المحدودة، إذ تعتبر غزة من أكثر أنحاء العالم اكتظاظاً بالسكان، ولهذا تقتلها «إسرائيل» بلا رحمة وهي كانت هكذا دائماً.

لقد بدأت «إسرائيل» هذه الحرب الفاشية كالعادة بشكل مصطنع لتصفية قضية الشعب الفلسطيني وأي إمكان قد تقود آجلاً أو عاجلاً، إلى أن يكون الشعب الفلسطيني قادراً على استعادة حقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير وإنشاء دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس، ومن يقول غير ذلك فهو واهم ومخطئ. فـ«إسرائيل» لا تريد إلاَّ السلام والأرض معاً. وجاءت ذريعة مقتل المستوطنين الثلاثة الذين لم تثبت «إسرائيل» حتى الآن وقوف جهات فلسطينية خلف مصرعهم، كمبرر لهذا العدوان الإرهابي المجرم علماً أن النهب «الإسرائيلي» لأرض الشعب الفلسطيني وحقوقه لم يتوقف، ولو ليوم قبل سنوات من عام 1948، وهو مستمر حتى الآن ولن يتوقف حتى تحقق «إسرائيل» أطماعها كافة. ولم تكن جريمة إحراق الطفل الفلسطيني الشهيد محمد أبو خضر حيّاً على يد قطعان المستوطنين الفاشية الذين تخطط لجرائمهم وتشرف على تنفيذها الحكومات «الإسرائيلية» وأحزابها سوى دليل ملموس على دموية الصهيونية. كانت الحكومات «الإسرائيلية» تبارك كل ما ارتكبته عصابات المستوطنين من دمار ضد تاريخ وإرث وممتلكات الشعب الفلسطيني وغيره من العرب الذين احتلت أرضهم في الجولان السوري المحتل أو في جنوب لبنان، وسابقاً في سيناء.

وكما ثبت لنا وللعالم، فإن «إسرائيل» لا تتورّع عن القيام بهذه الأعمال الإرهابية بهدف وحيد هو منع أي جهد لبناء قدرات سورية أو فلسطينية أو لبنانية أو عربية يهدّد مخططاتها، عامة، وتنفذ هذه المخططات استغلالاً لحادث هنا أو هناك مثلما فعلت عند شنها لحرب عام 1982 ضد لبنان، مستغلة حادثة إطلاق النار على سفيرها في لندن آنذاك. إن استهداف «إسرائيل» المستشفيات الفلسطينية والملاجئ ومحطات توليد الكهرباء ومحاصرة القطاع تسبب بكارثة إنسانية أظهرت الوحشية التي تستخدمها «إسرائيل» للوصول إلى أهدافها في محو الشعب الفلسطيني وقضيته.

منذ بداية هذه المجزرة الجديدة، انتبه الشعب الفلسطيني حتى الآن إلى عدم الوقوع في فخ لعبة طالما استخدمتها «إسرائيل» لتفتيت وحدة هذا الشعب بمختلف انتماءاته السياسية بغية خلق حالة إرباك فلسطينية تستغلّها لتشتيت قدرات هذا الشعب وضرب مقوّماته المناضلة بعضها مع البعض الآخر، لحرف انتباه الرأي العام واهتمامه عن جرائم هذا الكيان وإلقاء اللوم على الطرف الفلسطيني، وتحويل أي إنجاز أو انتصار فلسطيني أو عربي إلى هزيمة. وإذا كان العمل السياسي والرسمي الفلسطيني قد تركز على وقف العدوان والدمار «الإسرائيلي» والبطش الصهيوني بأبناء غزة، وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع وحماية الشعب الفلسطيني ورفع القيود التي فرضتها «إسرائيل» على حركة الأشخاص والبضائع إلى داخل غزّة وخارجها والحاجة الملحّة إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين وتحقيق السلام العادل والشامل، فإن وحدة الشعب الفلسطيني التي يجب أن تكون فوق أي جدال فلسطيني فلسطيني، تثبت مرة أخرى أنها أصبحت أكثر من حاجة حتمية، فالحصول على مكاسب عابرة، مهما يكن حجمها، على حساب الدم الفلسطيني بات أمراً قاتلاً سواءً على المدى القريب أو على المديين المتوسّط والبعيد لأنها قاتلة للشعب الفلسطيني وحقوقه على المدى الاستراتيجي.

قد ينتقد هذا الطرف أو ذاك موقف فصيل فلسطيني حيال ما يجري، وهذا طبيعي في الظروف العادية، إلاّ أن الخلاف الآن حول الطبيعة الإجرامية للعدو «الإسرائيلي» وتقديم أي نوع من الغطاء لما يقوم به في قتله للشعب الفلسطيني يجب ألاّ يكون ترفاً فكرياً أو نهجاً يتوهمه البعض طريقاً لإنهاء معاناة هذا الشعب والوصول به إلى تأمين حقوقه. نحن أكثر من سعداء لرؤية جميع الفلسطينيين موحّدين حول مقاومتهم واعتبارهم المقاومة أنها ممثلة لجميع الفلسطينيين في هذه المعركة. إن الاستمرار في الاختلاف على «نوع الملائكة» حين يتعلق الموضوع بالقضية الفلسطينية أصبح أمراً من المحرّمات لأن الصهاينة ماضون في تحقيق هدفهم حول يهودية الدولة ولو تمّتْ إبادة الشعب الفلسطيني كلّه. وعندما تحين الفرصة لإعادة وهج القضية الفلسطينية ووضعها في الإطار الصحيح كحركة تحرر وطني للشعب الفلسطيني فإن الشعب الفلسطيني لن يرحم أي طرف يعيد هذه القضية، الأكثر عدلاً بين قضايا الشعوب في القرن الحادي والعشرين، إلى المربع الذي تسلّمت فيه الولايات المتحدة هذه القضية من بابها إلى محرابها لم يعد أمراً مقبولاً، فالإدارات الأميركية أثبتت أنها أكثر من جبانة عندما لا تقبل «إسرائيل» أي حل سوى مخططاتها. ومثلما أكدت جميع الجهات الفلسطينية المعنية بملف مؤتمر مدريد، فإن ما تم في هذا المجال منذ عام 1991 إلى اليوم في إطار ما أسموه «عملية السلام» أضحى مجرد «عملية» لإضاعة الوقت من دون أي سلام، ناهيك عن فشل الولايات المتحدة الأميركية والخطة التي رسم خطوطها وزير الخارجية الأميركية بعد جولات مكوكية استمرت نحو سنة من قبل الوزير كيري. ورغم جور هذه المبادرة الأميركية وانحيازها لمصلحة «إسرائيل» ورفض القيادة الفلسطينية لها، إلاّ أن الفشل في التحرك الأميركي وإعلان موت الجهد الأميركي كان من الجانب «الإسرائيلي» إذ لم تحافظ الإدارة الأميركية على كرامتها ودورها كقوة عظمى في عالم اليوم أمام الرفض «الإسرائيلي» للتحرّك الأميركي الذي يحرص على مصلحة «إسرائيل» أصلاً على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

بالنسبة إلى «إسرائيل»، وبعد المكاسب التي حققتها إثر توقيع اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقية وادي عربة، لم تبق هناك أي رغبة لدى الكيان الصهيوني للعمل على التوصل إلى سلام عادل وشامل في المنطقة. وإذا كانت بعض الدول العربية قبلت هذه الحلول على حساب «أشقائها» الفلسطينيين، فلماذا تريد «إسرائيل» البحث في أي سلام مع الجانب الفلسطيني بعدما ضمنت حياد الكثير من الأنظمة العربية حين يتعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية وقيام بعض هذه الدول بتطبيع علاقاتها مع «إسرائيل» في حين قطعت علاقاتها وسحب سفراءها من دول عربية؟

إن البعد الحقيقي للقضية الفلسطينية هو البعد القومي العربي، ولا نقول ذلك لإيماننا بأهمية وجود موقف عربي موحّد لنصرة شعبنا الفلسطيني، ولا منّة على هذا الشعب المناضل الذي سالت دماء شهدائه أنهاراً في فلسطين والضفة والقطاع، بل لأن هدف «إسرائيل» هو الهيمنة على جميع الدول العربية وإخضاعها للقرار الصهيوني وبالتالي تفتيتها. ومما لا شك فيه أن ما يشجع «إسرائيل» على المضي في قتلها الشعب الفلسطيني هو بعض «المبادرات» التي تطلقها أطراف هنا وهناك بذريعة إنقاذ الشعب الفلسطيني في غزة، لكنها تأتي في حقيقة الأمر لخدمة «إسرائيل» ودور الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة بما في ذلك وعلى نحو خاص قطر وتركيا اللتان تسعيان إلى تقديم التنازل تلو التنازل على حساب هذه القضية ودماء الفلسطينيين لإنقاذ نتنياهو الباحث عن مخرج من ورطته. ليس الوقت الآن للمزايدة من قبل تركيا وغيرها على حقوق الشعب الفلسطيني ودماء شهدائه المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ حيث تنتشر جثث الشهداء في الشوارع وتحت الأبنية المدمّرة، فـ«إسرائيل» لا تسمح لأقارب الشهداء بجمع الأشلاء ودفن الشهداء. إن الفلسطينيين في كل مكان يطالبون بتحررهم من الكابوس الصهيوني الذي يلاحقهم في لقمة عيشهم، فهذا الشعب لا يريد إلاّ الكرامة بعيداً عن الاحتلال والقمع والإذلال والتشرّد واللجوء. ليست حرب المبادرات هي ما يتطلع إليه الشعب الفلسطيني تحت أيّ ذرائع، فهذا الشعب يفتخر بما أحرزه مقاتلوه ومقاوموه بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية ومواقعهم النضالية والفصائل التي ينتمون إليها. ويبقى من المحرمات والخطوط الحمر ألاّ يطلب هؤلاء الوسطاء من المقاومين التخلي عن سلاحهم، وعن صواريخهم التي صنعت نقطة تحول استراتيجية في الصراع مع العدو الصهيوني. لن تنام أعين الصهاينة الجبناء بعد اليوم فالغد لن يكون مثل الأمس، فلا نامت أعين الجبناء المحتلين القتلة.

إذا كان الصهاينة اعتقدوا سابقاً أنهم قادرون على الوصول إلى أيّ مدينة عربية وقصفها وتدمير ما يشاؤون فيها، فقد لقّنتهم غزة هاشم درساً عليهم فهمه. فإذا وصلت صواريخ المقاومة الفلسطينية إلى «تل أبيب»، و«مطار بن غوريون» وإلى شرق الأراضي المحتلة وغربها وشمالها وجنوبها، حيث أسقطت، مرة أخرى، بعد حرب تشرين المجيدة عام 1973 مقولة «إسرائيل» التي لا تقهر والقادرة على حماية مستوطنيها ومهاجريها، فإنّ أول من يعي سقوط هذه المقولة أولاً هي أجهزة الأمن الصهيونية والجيش الصهيوني ونتنياهو وحكومته من عتاة التطرف وهواة قتل الفلسطينيين والعرب.

بالأمس أعلنت البرازيل، وأعلنت البيرو، وأعلنت الأكوادور سحب سفرائها من «إسرائيل» احتجاجاً على العدوان «الإسرائيلي» على الشعب الفلسطيني، أما العواصم العربية التي فيها سفراء «إسرائيليون» علناً أو سرّاً فلم تجرؤ حتى هذه اللحظة، ورغم مطالبات الجماهير العربية كلها لاتخاذ مثل هذا القرار الذي يمثل الحد الأدنى من احترام إرادة الجماهير وكرامة المسؤولين في هذه البلدان. قد يفلسف هؤلاء التزاماتهم بموجب الاتفاقيات التي لم يكن لها من مبرر أصلاً إذ تمت مقابل التضحية بالقضية الفلسطينية وعلى حسابها، إلاّ أننا نرى تمسكاً لا مثيل له بممثلي «إسرائيل» في هذه العواصم. وعندما يجرؤ الوفد الأردني في مجلس الأمن على تقديم فقرات تؤكّد ضرورة استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ضد سورية في مشروع قرار «إنساني»، فلا نعتقد أن هؤلاء المسؤولين سيترددون في متابعة التفرج على «إسرائيل» وهي تقتل أطفال فلسطين في إطار سعيهم إلى نيل بركات أميركا ورضا نتنياهو، ولو كان ذلك على حساب قتل «إسرائيل» جميع الفلسطينيين. أين هو الشرف العربي؟ أين هم النشامى؟ أين هو ضمير هؤلاء الإنساني؟ أما في السعودية، فإن تركي الفيصل الذي يعلن ليل نهار عن حلمه وحتماً حلم أخيه سعود بزيارة «إسرائيل» والهبوط في «مطار بن غوريون» واللقاء مع قادة «إسرائيل» وزيارة متحف المحرقة، فإنه لا يفكر البتة في حق الشعب الفلسطيني. ويبدو أن القيادة السعودية لم تجرؤ حتى على استقبال القيادة الفلسطينية لمناقشة جرائم «إسرائيل» في غزة خوفاً من أحبّتها الصهاينة وأسيادهم الأميركيين، كما أن هؤلاء لا يفكرون على الإطلاق بالمحرقة التي تعرّض ويتعرّض لها الفلسطينيون.

إن ما يسمى «الجامعة العربية» التي لم تعقد اجتماعاً جدّياً لمناقشة مذبحة «إسرائيل» في قطاع غزة، لم تعد منذ وقت طويل إلاّ أداة رخيصة لخدمة الغرب و«إسرائيل» على حساب القضية الفلسطينية بشكل أساسي. فعندما تتحكم أدوات أميركا في قرارات الجامعة وسياساتها نصبح قادرين على فهم قراراتها التي تفرض على الفلسطينيين والتي باتت تمارس تسويقاً للسياسات الأميركية الصهيونية ضد القضية الفلسطينية. ولم يعد غريباً أن يسمع المواطن العربي أن ممثلي الولايات المتحدة الذين أمست لديهم غرف في مقر الجامعة في القاهرة يقدمون مشاريع القرارات التي تعتمدها الجامعة من دون تعديل، وفي بعض الأحيان تبحث بالإنكليزية قبل أن تعاد طباعتها بالعربية. وتميزت الاجتماعات التي تعقدها الجامعة بأنها تتم على مستوى غير وزاري، بينما حشد السعوديون وغيرهم وزراء خارجية بعض الدول لحضور الاجتماعات المعادية لسورية شخصياً.

أما الاجتماعات الثلاثة التي عقدها مجلس الأمن لمتابعة الأوضاع في غزّة، فإن معظم المتحدثين فيها أدانوا الشعب الفلسطيني الذي يقاوم المحرقة الصهيونية ودافع هؤلاء عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» فيما يعرف هؤلاء أنهم يكذبون في قرارة ضميرهم، إذا كان لهم من ضمير، بما في ذلك بعض ممثلي الدول العربية الخليجية الذين ألقوا بيانات لرفع العتب لم تختلف كثيراً عن بيانات الدول المعادية لفلسطين. وهكذا فعلت الأمانة العامة للأمم المتحدة التي وقفت عملياً ضد الشعب الفلسطيني من خلال مطالبتها بوقف إطلاق النار من دون توجيه إصبع الاتهام إلى «إسرائيل» التي أهانت الأمم المتحدة ولم تقبل أي قرار لها منذ قرار التقسيم وصولاً إلى قرارات مطالبتها بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967. كما لم تدافع الأمانة العامة للأمم المتحدة عن مقرّاتها في غزة التي قصفتها «إسرائيل» بالطيران ودمّرتها وقتلت الذين لجأوا إليها بلا رحمة في مدرسة الأونروا في بيت جالا. إن «إسرائيل»، نتيجة مواقف الأمانة العامة وحماية الولايات المتحدة والدول الغربية لها في مجلس الأمن، أضحت فوق الأمم المتحدة وفوق القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي وحقوق الإنسان. وها هم وزراء خارجية إيطاليا وفرنسا وألمانيا، الدول التي تدّعي زوراً وبهتاناً احترامها حقوق الإنسان وضد سياسات الإبادة البشرية، فإذ بهم يعودون إلى أسطواناتهم المشروخة ويدينون التظاهرات التي خرجت بها شعوب هذه البلدان الأوروبية تضامناً مع الشعب الفلسطيني ضد العدوان «الإسرائيلي» اللاإنساني على الشعب الفلسطيني، إذ ثبت لنا مرة أخرى أنهم ضدّ حرية التظاهر والحق في حرية التعبير عندما يتناقض ذلك مع حرية «إسرائيل» في ممارسة القتل وارتكاب المجازر في فلسطين.

إن سورية التي تعتبر العدوان «الإسرائيلي» على غزة وعلى فلسطين عدواناً عليها واستهدافاً لها، تعيد التذكير بأن العدوان الإرهابي المستمر على سورية منذ ثلاث سنوات ونصف سنة هو عدوان على فلسطين. فسورية نذرت نفسها قيادةً وشعباً وإمكانات لإبقاء القضية الفلسطينية في مكانها حركةَ تحرّر وطنيّ مقدسة. لذلك كله صبّت الدول الغربية وأدواتها في المنطقة جامّ غضبها الإرهابيّ على سورية لتصفية الموقف السوري والقضاء عليه بغية تدمير الموقع العربي الأخير الذي يناصب «إسرائيل» وسياساتها العداء المعلن والصادق. وحاربت سورية توقيع الأنظمة العربية لاتفاقيات مع «إسرائيل» لأن ذلك لا يخدم أصلاً، ومهما تكن المغريات، سوى المصالح «الإسرائيلية» ولأن لا مصلحة وطنية أو قومية لسورية تتناقض مع المصالح الوطنية والقومية الفلسطينية، فالغرب الاستعماري و«إسرائيل» جزء لا يتجزأ من المصالح الغربي لا يزال استعمارياً. الجوهر واحد وإن اختلفت الأساليب. هؤلاء جميعاً وأدواتهم من الحكومات العربية يستهدفون سورية للوصول إلى إنهاء القضية الفلسطينية، مثلما قال الرئيس بشار الأسد. وفي تعبير بليغ للرئيس الأسد في خطاب القسم بتاريخ 18/7/2014 عندما وصف أعداء سورية بما في ذلك «الشقيق أردوغان» الذي يحلم بالصلاة في الجامع الأموي دعماً للشعب السوري، لكن عندما أتى موضوع غزة «رأينا أنه حمل وديع يشعر باتجاه «إسرائيل» كما يشعر الطفل الرضيع تجاه حضن أمه بالحنان، ولا يجرؤ على أن يتمنى أن يصلي في المسجد الأقصى بعد تحريره من الاحتلال الإسرائيلي».

حاول البعض أن يبدأ «الربيع العربي» في فلسطين، إلاّ أنه حمداً لله لم ينجح في ذلك، بفضل وعي الشعب الفلسطيني إذ غيّر «الربيع» طريقه وذهب إلى بلدان أخرى. وفي حديث سيادة الرئيس ورد الآتي: «دون أخلاق لن يكون هناك شعور وطني في وجداننا». وأضيف إلى هذه العبارة الذهبية: «دون شعور وطني وقومي عربي لا وجود للأخلاق». أولئك العربان الذين بدأ البعض، خاصةً من مسؤولي دول الخليج، يجهرون انهم ليسوا عرباً ولا ينتمون إلى الأمة العربية وربما كان ذلك صحيحاً فهؤلاء ليسوا عرباً في الواقع، ولا يريد العرب الحقيقيون هذا النوع من العرب. الكثير من هؤلاء يقول الآن إنّ لا علاقة لهم بالصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، وانتقلوا إلى صراع وهمي آخر مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وحقيقة الأمر هي أن «إسرائيل» وأميركا طلبتا من هؤلاء معاداة إيران التي قدمت، مثل سورية وحزب الله، الدعم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني كي لا تمحى القضية الفلسطينية. لا يمكن للخلافات المضحكة بين قطر والسعودية ومبادرتهما المزعومة لوقف العدوان على غزّة أن تتحكم في مصير الشعب الفلسطيني ومنع القتل «الإسرائيلي» للشعب الفلسطيني، ولا يمكن لهذه الخلافات أن تستمر في إعطاء الضوء الأخضر لـ«إسرائيل» للاستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني من خلال هذه المظلة التي تقدم غطاء لنتنياهو لممارسة هواية القتل والعنصرية الصهيونية ضد أطفال غزة وفتياتها ونسائها وشيوخها.

الرئيس الأسد يحظى باحترام العرب والأحرار في كل مكان لأنه حدد طبيعة الصراع في الشرق الأوسط وقال: «كل الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية كانت عبارة عن سلسلة مترابطة من أجل تذويب القضية الفلسطينية… إن ما يجري في سورية والمنطقة برمتها مرتبط بشكل مباشر بفلسطين وما يحصل في الأراضي الفلسطينية». وأضاف الرئيس الأسد: « إن من يعتقد أنه يمكن لنا العيش بأمان ونحن ننأى بأنفسنا عن القضية الفلسطينية فهو واهم، فهي ستبقى القضية المركزية».

لكم أيّها المقاومون الفلسطينيون، ولكم أيّها الصامدون من أبطال الجيش العربي السوري، ننحني إجلالاً وتقديراً واحتراماً لأنكم تدافعون عن العرب الشرفاء وعن أطفالنا وأمهاتنا وأرض أجدادنا، و«إسرائيل» تخسر أخلاقياً وميدانياً وسياسياً، فلنتابع صمودنا جميعاً في وجه «إسرائيل» وأدواتها… وسننتصر.