حين كتب Ray Ventura كلمات أغنية Tout va très bien, Madame la Marquise،

هل كان يُدرِك أنَّ هذه الكلمات يمكن أن تنطبق على أوضاعنا اللبنانية في النصف الثاني من العام 2014؟

كلمات الأغنية تحكي قصة مركيزة تسأل عن أحوال القصر وسكانه، وفي كلِّ مرة يجيبها كبار مسؤولي القصر كلُّ شيءٍ على ما يرام سيدتي المركيزة... لتكتشف في نهاية المطاف أنَّ القصر احترق بما فيه وأنَّ زوجها إنتحر بعد اكتشاف أنَّ تجارته أفلست.

***

لكن المقطع الأول من الأغنية هو الذي ينطبق على الأوضاع اللبنانية أي أنَّ كل شيء على ما يُرام:

فاليوم، السادس والعشرون من تموز، تدخل البلاد الشهر الثالث على الشغور في موقع الرئاسة الأولى، وبعد شهر قد نكتب:

اليوم تدخل البلاد الشهر الرابع على الشغور في موقع الرئاسة الأولى، فمَن يشعر بالشغور؟

ومَن يتأثَّر به؟

لا أحد، فالدنيا بألف خير:

مجلسُ الوزراء يجتمع فيُقرّ وحسناً فعل تعيين العمداء في الجامعة اللبنانية وتثبيت الأساتذة المتفرغين، كما يُقرّ التخريجة لدفع رواتب موظفي القطاع العام قبل حلول عيد الفطر المبارك.

لولا الجلسة النيابية التي دعا إليها الرئيس نبيه بري اليوم السبت، للتضامن مع غزة، لكان معظم النواب قد أصبحوا خارج العاصمة أو خارج لبنان لتمضية عطلة عيد الفطر المبارك. وكما النواب كذلك وزراء حكومة السلطة الإجرائية المنوطة بها صلاحيات رئيس الجمهورية، فهؤلاء الوزراء حزموا الحقائب لعطلة الأربعة أيام على الأقل بعدما أدوا قسطهم للعلى لجهة بعض بنود الأعمال المُلِحَّة.

***

نسأل: هل يشعر السياسيون والقيّمون ان نسبة لا بأس بها من اللبنانيين تعيش تحت خط الفقر، لا أحد يشعر بهم لأن الفقراء لا يفتقرون الى الكرامة، ولهذا فإنهم يعيشون فقرهم بصمت لكن معاناتهم تتكلّم وهذه المعاناة تبدأ بالطبابة وتوفير فرص العمل وتنتقل الى توفير الأقساط المدرسية لأبنائهم وينتهي بهم المطاف الى الهجرة.

وهكذا يولَد الإنسان في وطننا لكن عقله ودماغه يكون للخارج في مقابل اقامة أو جنسية، فيخسره الوطن وتربحه الهجرة.

أما المقتدرون من سياسيين ومراجع فإن صخب حياتهم لا يجعلهم يملكون الوقت للتلفت على تلك الأوضاع الملحّة والمأساوية؟

***

إذاً، لماذا نحمل السلّم بالعرض وتكرار المعزوفة يومياً بالمطالبة بانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية تحت طائلة الويل والثبور وعظائم الأمور؟

فإذا كانت الدنيا بألف خير فلماذا في هذه الحال النق المتتالي والإلحاح؟

ما الضير في أن نبقى كما نحن؟

ومتى كان النق في لبنان يوصِل إلى نتيجة ما بين جميع الفرقاء الاّ عند اعطاء الضوء الأخضر من مصادر القرار؟

***

نعم الدنيا بألف خير؟

هل توقفت مهرجانات الصيف؟

هل أُلغيت الحفلات؟

هل أُرجِئت المناسبات والمآدب؟

من بيت الدين إلى جبيل مروراً بالبيال، كلُّ شيء على حاله:

سياسيون لا يتركون مناسبةً إلا ويشاركون فيها، لا يتوانون عن التواصل مع كلِّ الإحتفالات. لا هموم تستدعي الإنكفاء ولا غضب ولا حتى الطلب بايقاف رواتبهم من جيوب الناس.

***

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يُطلَب منا أن نكون على هذه الدرجة من التوتر؟

ماذا يتبدّل بين أن يكون هناك رئيس جمهورية أو لا يكون والى حين الظرف المنتظر؟

لماذا لا يكون السياسيون على توتر وليس نحن؟

فهي مسؤولية مَن في إنتخاب رئيس، هل هي مسؤوليتنا أم أهل السياسة؟

***

يذهب الجميع إلى عطلة عيد الفطر المبارك، أعاده الله على الجميع بالخير واليُسر والعافية والطمأنينة، العطلة ستمرُّ برئيسِ جمهورية أو من دون رئيس، بإنتخاباتٍ رئاسية أو من دون إنتخابات، فما هَمَّ؟

وما الفارق؟

بعد الذي جرى ويجري، يتبيَّن لنا منذ عقود أنَّ اللبناني كإنسان وكفرد هو رأسٌ وجسم، فلو لم يكن الأمر كذلك كيف كان لهذا الوطن أن يعيش الحروب وسيستمر، لأن اللبناني المقيم الصامد والمهاجر المستميت لوطنه هما الأساس للاستمرار وللأسف الشديد لترف أهل السياسة.

اذاً لنعش حياتنا بجهدنا وكدّنا وروح الأمل النابع ان لبنان وطن لن يموت، ولننس أهل السياسة يعيشون ما طاب لضميرهم.