بدت مواقف نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان الذي زار بيروت السبت والتقى رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل كأنها حفر وتنزيل، انسجاماً مع المواقف الخطابية التي اعلنت في مجلس النواب في الجلسة التضامنية التي عقدها مع غزة والموصل. وليس واضحاً اذا كان الديبلوماسي الايراني زار بيروت لكي يوصل فقط من العاصمة اللبنانية الاقرب موقعاً الى الاراضي المحتلة، المواقف الايرانية الداعمة للتنظيمات الاسلامية التي تواجه اسرائيل وقدرة بلاده كلاعب مؤثر في ما يجري في فلسطين المحتلة، خصوصاً مع اعلنه من وزارة الخارجية "ان المقاومة الفلسطينية لم تستنفد سوى 3 في المئة من امكاناتها" مبشراً بانها "ستستطيع ان تغير المعادلة بالشكل الذي يثير دهشة العالم بأسره "فيما تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين الالف، علما ان هذا السبب كاف في ذاته للزيارة في ما يعنيه ذلك من مزايدة على الدول العربية وتأكيد للدور الايراني في مواجهة اسرائيل، ام ان من ضمن الزيارة ما يتصل بمواقف ترتبط بـ"حزب الله" من ضمن المعادلة الداخلية والاقليمية على خلفية ما يجري في غزة وسوريا. فما يرغب فيه اللبنانيون من اي مسؤول ايراني في معرض تأكيد دعم بلاده لبنان امكان مساهمة طهران في التأثير على القوى المحلية التي تشكل امتدادا عضويا بها كـ"حزب الله" او معنويا كمحور قوى 8 آذار في اخراج المأزق المتمثل في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية اولا من ازمة تنذر بان تكون طويلة وليس اقحاما للبنان في اطار الحرب الاسرائيلية على غزة او ان يكون منصة لاعلان المواقف الايرانية المتعلقة بالفلسطينيين، كما قد يرغب كثر في ان تضطلع ايران بمواقف تعزز النأي بالنفس عن الازمة السورية في ظل تطورات على الحدود الشرقية للبنان مقلقة بدرجات كبيرة للبنان من الزاوية المذهبية على نحو خاص.

وفيما لا يبدو مما أعلنه الديبلوماسي الايراني ان في جعبته للبنان ما يطمح اليه هذا الاخير، تتحدث معلومات ديبلوماسية عن تركيزه على وضع غزة تحديداً وعن موقف بلاده مما يجري ومدى الدعم الذي تقدمه للتنظيمات الاسلامية التي تواجه اسرائيل. الا انه من المستبعد بالنسبة الى بعض المراقبين السياسيين ان يكون رئيس الحكومة تمام سلام من موقعه المرجعي والمسؤول قد فوّت فرصة زيارة المسؤول الايراني فلم يعبر عن القلق اللبناني ازاء استمرار الشغور في موقع الرئاسة الاولى او لم يتحدث عن الدور المطلوب من ايران للضغط في اتجاه تحقيق التواصل مع خطوة تأليف الحكومة، وذلك انسجاما مع مواقفه المعروفة في هذا الاطار اولا وعلى غرار ما فعل حين زاره الديبلوماسي الايراني قبيل تأليف الحكومة وفي عز العرقلة التي دامت عشرة اشهر حيث حضه على السعي الى المحافظة على لبنان وتحصينه، لا سيما وان المنطق القاضي بالمحافظة على لبنان يفترض ان يتطلب استكمال خطوة تأليف الحكومة بانتخاب رئيس للجمهورية. يضاف الى ذلك ما كان لافتاً جداً ومهماً في عدم تفويت الرئيس سلام فرصة انعقاد مجلس النواب يوم السبت الماضي بجميع كتله خصوصا تلك التي تعطل تأمين النصاب لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية من اجل التضامن مع غزة والموصل من اجل ان يناشد جميع القوى السياسية والنواب بذل الجهود لايجاد حل لمسألة الشغور في موقع الرئاسة الاولى والمسارعة الى انتخاب رئيس الجمهورية وهو الرئيس المسيحي العربي الوحيد في عالمنا العربي وكان ذلك عقب زيارة المسؤول الايراني للقصر الحكومي وللرئيس بري في عين التينة.

مصادر ديبلوماسية كانت التقت مسؤولين ايرانيين اخيراً لم تهمل واقع ادراج الزيارة تحت عنوان دعم غزة تزامناً مع انعقاد البرلمان العربي الوحيد في المنطقة اي البرلمان اللبناني دعما لغزة ولمسيحيي الموصل، اذ تقول ايران انها تدعم السلطات العراقية في وجه تنظيم داعش المسؤول المباشر عن تهجير مسيحيي الموصل. وتعرب المصادر عن اعتقادها، وفق المعلومات المتوافرة لديها، ان زيارة الديبلوماسي الايراني قد تكون تناولت ايضاً امرين اساسيين يكتسبان اهمية قصوى في رأي غالبية كبيرة من المراقبين السياسيين في هذه المرحلة: احدهما يتصل بما دأبت ايران على تكراره اخيرا علنا وفي لقاءات مسؤوليها مع مسؤولين اقليميين ودوليين من ان مفاوضاتها مع الدول الغربية ومع الولايات المتحدة الاميركية حول ملفها النووي لم تتناول اي شيء آخر غير ما يتصل بهذا الموضوع وهي اقتصرت عليه فقط حتى الان. والامر الآخر هو ما لمسته هذه المصادر من وجود رغبة يعبر عنها المسؤولون الايرانيون لجهة الرغبة في الانفتاح على الدول العربية في المنطقة وفي مقدمها المملكة السعودية مع اعلان ايران الاسبوع المنصرم تعيين سفير جديد لديها في الرياض هو حسين صادقي الذي كان سفيرا سابقا لإيران لدى المملكة ودول خليجية اخرى، علما انه فهم ايضا ان نائب وزير الخارجية الايراني الزائر للبنان كان مثّل بلاده في تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حزيران المنصرم وتردد انه كان ثمة أحاديث جانبية له مع ممثلي المملكة السعودية في حفل التنصيب واتفاق على التواصل. وهذه النقطة الاخيرة هي على اي حال المنطق الذي يبني عليه مسؤولون لبنانيون كثر آمالهم بحلحلة في الملف الرئاسي على اساس انها ربما تحمل الفرج المنتظر على هذا الصعيد.