حتى الأمس القريب، كان مسيحيو المنطقة يتمسّكون بمقولة "قوتنا بضعفنا" بمحاولة للتعايش مع أكثرية مسلمة وأنظمة بمعظمها دكتاتورية. نجحت سياستهم هذه طوال القرون الماضية الى أن دخلت "داعش" مؤخرا على الخط فهجّرتهم من مناطقهم في سوريا والعراق من دون أي مقاومة تذكر. سقط سلاح "ضعفهم" سقطة مدوية فيما الدول العظمى التي لطالما وثقوا بأنّها لن تخذلهم، تتفرج عليهم يذبحون ويعاملون كمواطنين درجة ثانية، لا بل فتحت الكثير منها أبوابها لاستقبالهم بما بدا أنّه تواطؤ مباشر أو غير مباشر باتجاه تنفيذ مخطط تقسيمي لمنطقة لا وجود للمسيحيين فيها.

قلّة قليلة من مسيحيي سوريا حملت السلاح الى جانب الجيش السوري بما عُرف بـ"قوات الدفاع الوطني" للدفاع عن بلداتها، الا أن ما حدث في معلولا، أقدم البلدات المسيحية على الاطلاق، أثبت ضعف المقاومة المسيحيّة السورية وعدم قدرتها على احداث أي انجاز عسكري على أرض الواقع، ما دفع القادة الروحيين المسيحيين الذين فضلوا مع انطلاق الازمة السورية في العام 2011 البقاء على الحياد، الى رفع صوتهم عاليا لاعادة توكيل أمنهم ووجودهم للدولة السورية وعناصر الجيش السوري.

وفي العراق أيضا المسيحيون أقليّة بدأت فعليا عملية تهجيرها في العام 2004 بعد تعرض كنائسهم لـ65 هجوما، بحسب منظمة العفو الدولية. ويبدو أنّه وبعد 10 سنوات حان وقت مغادرة من تبقى منهم جماعيا، فخُلِقَت "داعش" لتقوم بالواجب.

ويقول أحد الآباء العراقيين المتواجدين حاليا في لبنان لـ"النشرة": "المسيحيون قلة في العراق، مبعثرون ولا امكانية لتجميعهم بمسعى لخلق ميليشيا"، لافتا الى ان "الحكومة العراقية سمحت بتسليحهم بأسلحة خفيفة كالكلاشنيكوف لحماية الكنائس والاديرة لكنّها ظلت غير كافية للوقوف بوجه داعش".

أما في لبنان، فلا يزال المسيحيون يشعرون هنا بفائض من القوة مقارنة بجيرانهم في المنطقة، قوة هي بمعظمها مبنيّة على أمجاد الحرب اللبنانية وتوكيل القسم الآخر أمنه ووجوده للجيش اللبناني ولقوى مذهبية أخرى.

ويؤكد القيادي في التيار الوطني الحر ماريو عون أن لا نية لدى التكتل المسيحي الأكبر نيابيا بالدعوة لتسليح ذاتي لمواجهة "داعش" وغيره من التنظيمات المتطرفة التي يتعاظم نفوذها في المنطقة، لافتا الى ان قرار التسلح أصلا ليس قرارا داخليا، فأي فريق هو قادر على تأمين البنادق والرشاشات والأسلحة الخفيفة، لكنّها لن تكون كافية لخوض حرب.

ويوكل عون حماية المسيحيين للجيش اللبناني والمقاومة أي "حزب الله"، "الذي برهن أنّه قادر على حماية الداخل اللبناني من أي عملية عسكرية داعشية". ويضيف: "على الفرقاء الآخرين أن يقتنعوا أيضا بأن المقاومة أصبحت من الضرورات للدفاع عن الداخل كما عن الحدود... فنلتف جميعا حولها ونوقف كل المحاولات الساعية لضربها من أبناء وطنها".

ولا يزال حزب "القوات" يعوّل على قوة اكتسبها خلال الحرب اللبنانية، ويرفض مستشار رئيس الحزب العميد المتقاعد وهبي قاطيشا مقارنة مسيحيي لبنان بمسيحيي العراق او سوريا، بحيث أن ظروف تسلح المسيحيين في لبنان والجغرافيا اللبنانية كلها عوامل ساهمت بمنع مشروع تهجيرهم بعكس ما هو حاصل مع مسيحيي الموصل حيث "لا الظروف ولا الجغرافيا ولا التحالفات تساعدهم".

ويقول قاطيشا لـ"النشرة": "نحن كمسيحيين لبنانيين كنا ولا نزال نتواجد في منطقة جغرافية تسمح لنا بالدفاع عن وجودنا باعتبار أنّها منطقة جبلية والبحر مفتوح أمامنا، بخلاف مسيحيي باقي دول المشرق الذين يعيشون في جغرافيا مختلفة ساهمت في عملية تهجيرهم".

ويستبعد قاطيشا كليا اندلاع مواجهات جديدة في لبنان من خلال "داعش" أو غيره لتهجير المسيحيين من ارضهم، مذكرا بأنهم، اي المسيحيين، "واجهوا خلال الحرب النظام السوري ومنظمات فلسطينية وميليشيات متنوعة لم تستطع أن تغير شيئا في المعادلة، فكيف تنجح "داعش" بذلك اليوم؟"

وقد يكون اطمئنان مسيحيي لبنان ان كان لقوتهم العسكرية السابقة او لوجود حزب الله للدفاع عنهم، تدميريا، باعتبار أن التحالفات الداخلية القائمة حاليا قد تتبدل بسحر ساحر كما ان السلاح الذي يخبئه البعض هنا او هناك قد لا يصمد ساعات بوجه ترسانات عسكرية معلنة ومكشوفة لأفرقاء آخرين لبنانيين واقليميين. فهل يجوز الحديث بعد ما حصل في الموصل عن وجوب التفكير باعادة تنظيم الأحزاب المسيحية عسكريا؟