استخدمت وزارة الخارجية الاميركية في تقريرها السنوي عن الحريات الدينية في العالم لعام 2013 ومن بينها دول الشرق الاوسط تعابير كشفت حقيقة صارخة بكل المقاييس بالنسبة الى الوضع المسيحي في المنطقة في المرحلة السابقة لما تعرضوا له اخيرا في الموصل ومدن عراقية اخرى على يد تنظيم الدولة الاسلامية "داعش". ففي اشارة الى ما اصاب المسيحيين في سوريا، علما ان التقرير يتناول كل الطوائف، قال التقرير: "كما في سوريا كذلك في بقية دول الشرق الاوسط تحوّل الوجود المسيحي ظلا بعد ثلاثة اعوام من الحرب الاهلية. اذ هرب مئات الآلاف نتيجة العنف المتواصل الذي يمارسه النظام والمجموعات المتشددة على حد سواء". وأورد مثالا صادما لعدد المسيحيين في حمص الذي انخفض الى ما يقارب الالف مقارنة ب160 الفا قبل الحرب الاهلية في سوريا باعتبار ان كثرا من حلفاء الرئيس السوري كانوا لا يزالون يعتدّون بأن المسيحيين لا يزالون في حماية النظام ولم يغادروا سوريا.

بين ما يحصل في العراق من استكمال لتهجير المسيحيين منه باعتبار ان عددا كبيرا منهم غادر على اثر الاحتلال الاميركي للعراق وما يحصل في سوريا والمنطقة، ثمة مخاوف كبيرة من ارتدادات سلبية في لبنان ولو انه يستقبل راهنا النازحين واللاجئين من العراق وسوريا. لم تكن حال المسيحيين في العراق او في سوريا مميزة سياسيا في شكل خاص لكن كان هناك وجود مسيحي، يعبر عن تعددية المجتمع العربي في هذه الدول وتنوعه كما عن الجذور المسيحية في هذا الشرق. كما ان تراجع عدد المسيحيين وتضاؤل نفوذهم ليسا أمرين جديدين كليا لكنهما يبدوان كمسار ينتقل من مرحلة الى مرحلة اخرى متطورا الى وضع اسوأ بدلا من ان يتراجع.

ولا تخفي مصادر كنسية خشيتها من هذه الارتدادات. اذ ان الضمانات الداخلية ليست كافية لا معنويا ولا ماديا على رغم ان لا خطر مباشرا من الطوائف اللبنانية الاخرى ولا حروب داخلية في الافق حتى الآن على رغم عدم امكان دحض احتمالاتها كليا في ضوء ما يجري في المنطقة. وثمة الكثير من التفاصيل الداخلية راهنا، ما يعزز هذه الخشية بناء على تظهير ممنهج لوضع سياسي بات اكثر ضعفا وبات يساهم اكثر فاكثر في خسارة المسيحيين اي تأثير لهم في المعادلات الراجحة. ينطبق هذا الواقع في جزء كبير منه على الشغور في موقع الرئاسة الاولى الذي يقف وراءه مبدئيا فريق مسيحي يقول بعض اركانه انه ليس هو المعطّل واقعيا لأن تعطيل الانتخابات هو في يد الخارج وليس واضحا ما اذا كان سيفرج عنها بناء على توافقات اقليمية في المدى المنظور ام لا. في الوقت الذي بحّ صوت البطريرك الماروني في الدعوة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق من دون نتيجة. ما ادى الى تكبير حجم الازمة التي تواجهها الطائفة المسيحية والكنيسة معها في عدم القدرة على اقناع ابنائها بتسهيل انتخاب الرئيس العتيد على رغم كل المخاطر التي اصابت وتصيب المسيحيين في المنطقة، وما يؤدي الى تكبير الخسارة المعنوية والمادية ايضا.

والتخبط من جهة ثانية في محاولات متكررة لافرقاء مسيحيين اساسيين لتسويق قانون انتخابات بحيث تأتي كل طائفة بنوابها وزعمائها، ولو ان في بعض المحاولات مزايدات سياسية مسيحية مسيحية، هو وجه آخر من مأزق الطوائف المسيحية ليس فقط في ضوء مسار طويل أدى الى إضعافهم نتيجة الحرب الاهلية انما بجهود حثيثة من وصاية النظام السوري لأكثر من عقدين على الاقل ايضا.

وتبعا لذلك يبدو مؤسفا، بالنسبة الى هذه المصادر، عدم تخطي الطوائف المعنية في شكل اساسي اطار الاستنكار الكلامي او الاعلامي والسياسي لما يحصل للمسيحيين الى وضع استراتيجية تمنع ارتدادات ما يحصل في المنطقة على وضعها. وهي استراتيجية تتطلب تحصين موقعها من خلال خطوات عملية تبدأ بتأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية. اذ لا يكفي التحذير مما يجري او تحديد المخاطر فحسب من دون بذل الجهود اللازمة لتطويقها ومنع مفاعيلها. فانتخاب رئيس للجمهورية يشكل عامل اطمئنان في زمن مفزع وخطير، فضلا عن انه يبعد المخاوف من استهداف مضمر بعيد المدى. ويلي انتخاب الرئيس العتيد ضرورة وضع خطة يتفق على اهدافها تعطي امالا ولا توحي باليأس للبنانيين على المدى القريب من اجل حضهم على البقاء وعدم الهجرة، وفق ما يبدو طموح كثر في هذه المرحلة. اذ ان تداول ما يجري في العراق وحده كاف لإثارة المخاوف في ظل عجز داخلي عن تقديم ما يطمئن في المقابل. وهذه الخطة يفترض ان تلحظ نقاطا وخطوات، من بينها اتصالات ومساع مع دول مؤثرة اقليمية ودولية من اجل ان تكون المحافظة على الوجود المسيحي جزءا لا يتجزأ من السلام في المنطقة متى حصل السعي اليه او من ضمن بقاءهم فيه راهنا والحؤول دون اضطهادهم. ذلك ان ما يجري يتخطى بطبيعة الحال قدرات المجموعات المسيحية في المنطقة وحدها اذا تم التسليم جدلا بان انظمة ودولا تجد مصلحة لها في ما يجري. علما ان الخطة تفترض ان تلحظ خطوات داخلية سياسية واجتماعية وسواها تراجع الكثير من السياسات السابقة. والمطلوب ان يكون المسؤولون المعنيون على مستوى ما يجري من تحديات على الاقل بمقدار الممكن وليس كشاهد زور.