حتى الآن لم يعلن اشقاؤنا الاكراد الحكم الذاتي في منطقة زقاق البلاط ولم يرفعوا اعلام كردستان. نسأل فيردون بأن «لبنان هو ملاذنا الاول والأخير». لا ريب انهم يتوقون الى كردستان الكبرى هذا مجرد احساس رومانسي او تاريخي، ملتبس.

الذي قيل لنا ان الاكراد لن يقيموا جمهورية زقاق البلاط كما ان الأرمن لن يقيموا «مملكة برج حمود», على ان يتوّج كريم بقرداوني ملكاً عليها. هو الذي قال لنا انه ينحدر من عائلة ملكية. كان هذا ايام العز في آسيا الوسطى. الان الوجه الأرمني البراق هو ارتيورنظريان الذي لشدة بريقه يقطع الكهرباء (والماء) خمساً وعشرين ساعة في الاربع والعشرين ساعة.

يتكلم العربية بطلاقة. ليته يتكلم بلغة «ارتين» و«قره بت» ايام زمان ليخبرنا كيف ان عنترة بن شداد لو عيّن وزيراً للطاقة او لو انتخب رئيساً للجمهورية لا يستطيع ان يواجه مافيات المحروقات ومافيات المولدات ومافيات الاسلاك النحاسية. كل شيء يشترى حتى شاربا عنترة بن شداد.

لكنك تلاحظ وانت في زقاق البلاط وفي برج حمود ان الأرمن والاكراد قد يكونون لبنانيين اكثر من اللبنانيين الآخرين. مجرد حنين الى اربيل او يريفان. بيروت هي اللؤلؤة.

حقاً لماذا تتغير الدنيا؟ نوري السعيد كان كردياً وكان هو الوصي على الملك وعلى الوصي على الملك. لا احد من العراقيين اعترض على توليه رئاسة الحكومة لسنوات طويلة كان خلالها الديكتاتور الذي لا يشق له غبار.

وبدا الاكراد في سوريا عرباً اكثر من العرب. اول انقلاب عسكري قام به الكردي حسني الزعيم ويتردد ان اديب الشيشكيلي ايضاً من اصول كردية. كما ان مفتي الجمهورية احمد كفتارو كان كردياً. وكان القطب الشيوعي اللبناني جورج حنا يقول «لكي تكون شيوعياً في سوريا عليك ان تكون كردياً اولاً» باعتبار ان لينين الشرق خالد بكداش كان كردياً. لا تنسوا ان ضريح صلاح الدين الايوبي وهو كردي في دمشق التي انتجت عظيمنا يوسف العظمة حتى فيلسوف القومية العربية ساطع الحصري كان كرديا.

اليوم، يوم آخر تتفتت عظامنا وتتفتت ارواحنا. هل نبالغ، وقد قامت الجمهوريات الفلسطينية في لبنان وقامت الجمهوريات السورية ولو على شكل مخيمات اذا ما دعونا الى جمهورية زقاق البلاط ومملكة برج حمود؟ نحن في حالة ما بين الدولة واللادولة. كل الطرقات مشرّعة امام الدول الهجينة كما لو اننا لسنا الدولة الهجينة.

حتى اشعار آخر دولة سنية ودولة شيعية، وحتى دولة درزية. اين الدولة المسيحية؟ اي اين دولة لبنان الكبير؟ يا جماعة لم نعد في زمن بطل المارن هنري غورو حتى وان ضرب بحذائه ضريح صلاح الدين وقال له «ايه صلاح الدين لقد عدنا» وانما في زمن فرنسوا هولاند الذي يعتمر القبعة ويمتطي الدراجة النارية لكي يتسلل من الاليزيه الى منزل عشيقته. لاحظوا كمية الضياع والشبق في وجهه.

لعلكم تجرون مقارنة بين رؤسائنا في عهد الانتداب ورؤسائنا في عهد الاستقلال. ظل الفرد نقاش يرتدي بدلة واحدة وحذاء واحداً على مدى ثلاثين عاماً او اكثر وفي فترة ما لم يكن ليحصل على رغيف واحد. من اجله تم اقرار ذلك القانون الذي يعطي النواب راتباً تقاعدياً.

ذروة الهرطقة. ارملة احد النواب اشتكت من ان ما تتقاضاه من راتب تقاعدي عن زوجها لا يكفي ثلث نفقات الكلب الذي يؤنس وحدتها. تفاخر بأن كلبها لا يقل ذكاءعن كلب غريتا غاربو النجمة الاميركية الشهيرة والذي كان يتسوق لها حتى ملابسها الداخلية. هل هذه جمهورية حقاً لكي تكون المشكلة عدم وجود رئيس للجمهورية؟

لمن ينفعل الى ذلك الحد وينفجر الى ذلك الحد نقول له ان المسلمين امام مفترق وان المسيحيين امام مفترق لان المنطقة كلها عند ذلك المفترق الذي يدعى المجهول. متى كانت هناك جمهورية (الا اذا كانت جمهورية صقلية) لكي ننفعل الى هذا الحد وننفجر الى هذا الحد؟

اذاً من يتصور انه اذا اعلن العماد ميشال عون العزوف عن خوض السباق الى قصر بعبدا تفرش السجادة الحمراء امام الرئيس الثالث عشر. لا رئيس الآن. الخشية مما بعد الآن. الغرنيكا الداخلية ( وبالاذن من بابلو بيكاسو) انعكاس للغرنيكا الاقليمية.

«داعش» واخواتها هي من يجر الشرق الاوسط. لاحظتم المكافيلية لدى العديد من السياسيين والاعلاميين في المنطقة وفي لبنان. قالوا ان تنظيم «الدولة الاسلامية» ليس سوى الواجهة وان العشائر الثائرة هي التي تمسك بالزمام. لم تتأخر الحقيقة وان بوجهها التراجيدي في الظهور. حين تكون الموصل في يد ابي بكر البغدادي فاين العشائر التي سارعت الى بغداد للقاء نوري المالكي؟

منذ خمسة وعشرين قرناً قال هيرودوت ان هذه المنطقة تقع على خط الزلازل. لماذا لم يقل انها تقع على خط الآلهة. اكثر من مرة، استعدنا قول هنري كيسنجر(نقله الينا الديبلوماسي المستعرب جورج بول) بان ازمة الشرق الاوسط ولدت عندما ولد الأزل وتموت عندما يموت الازل.

الى اشعار آخر جمهوريتنا السعيدة (جمهورية ارتيور نظريان) عالقة بين اسنان الآلهة ( الآن انصاف الآلهة). حتى عندما يرفع القادة النقابيون اصواتهم وقبضاتهم لا يأخذون الساسة رهائن بل الطلبة وشهادات الطلبة. هل من داع لبقاء جمهورية «كل مين ايدو الو»؟