أَمامك يا إلهي، وأمام المَلأ، وفي قلبِ الأغوار الإعلاميّة، وبصوتٍ جَهْوَرِيٍّ، أُعلِنُ الكُفر، والكُفر في هذه الحال ليسَ خطيئة: نَعَم، أَكفُرُ بِهذا الإله وبعقيدته وفِكرِه، وبجميعِ جنوده، وبِمَملَكتِه وبِكُلِّ ما هو لَه.

أَكفرُ بهذا الإله الذي بِتُّ أتقيّأُ لمُجرّد سَماعِ اسمه.

أكفرُ بِهذا الإله الذي صَنعته المُخيّلَة المريضة التي تفرِزُ آلهتها بدون هوادةٍ ولا حَياء.

أكفُرُ بِهذا الإله الذي باسمه تحوَّلَ الربيع إلى خريف، والأملُ إلى خَيبةٍ، والحُلم إلى كابوس.

أكفر بهذا الإله الذي يحملُ راية الإنقضاض على الحياة؛ الحياة التي تبتسم وتُغنّي وترقص وتُؤَلِّف وتُبدِع وتُرَقّي.

أكفر بهذا الإله الذي إن تكلَّم فبالسيف وقرقعة الحديد، وإن تنفَّسَ فبالنار، وإن تَحَاور فبالبارود، وإن عَدَلَ فبالبطش.

أكفُرُ بهذا الإله الذي باسمِه ينتشر الرُّعب ويُسَوَّق الجحيم، وتُلوَى إرادة الشّعوب، ويُبادُ المُختلِف، وتُقطَعُ الأوصال، وتُدَقَّ الأعناق، وتُشَقُّ الصدور، وتُبقَرُ البُطون، وتُسفَكُ الدّماء، وتؤكَلُ الأكبادُ، وتُقتلَعُ الألسُن، وتُعلَّق الصُلبان مَشانق، وتُختَنُ النساء، وتُشَرَّعُ أسواق النّخاسة، ويُرَقَّم البَشَر كالبقر.

أكفُر بهذا الإله الذي باسمه تُسرَقُ الطفولة، وتُنحَرُ البراءة.

أكفُرُ بهذا الإله الذي باسمِهِ يُقفَل على الفكر ويُحجَرُ على المُخيّلة، ويُصادَر الإبداع، وتُسلبُ الحريّات، ويُكَفَّرُ المفكِّرون، ويُذَنَّبُ الفنّانون، ويُغتال الباحثون عن الحقيقة، ويُطمَسُ التاريخ وتُخَرَّبُ الجغرافيا.

أكفرُ بهذا الإله الذي باسمِه يُكافَأ "الأبطال" بفُرُوج النساء ودوابِرهنَّ، وبأجساد العذارى والغلمان.

أكفر بهذا الإله الذي باسمه يُنادى بالكذب حقّاً، وبالجبانة بُطولة، وبالشراسة مُروءة، وبالسّفالة عِزّة، وبالعداوة عِبادة، وبالكراهية فَضيلة، وبالجريمة شرَفاً.

لا تقُل لي إنَّ إلهاً كهذا هو إله!

لا تقُل لي إنَّ إلهاً كهذا يَستحقُّ العبادة!

لا تقُل لي إنَّ الذين يتكلّمون بوحيٍ من هذا الإله ليسوا كإلههم.

لا تقُل لي إنّ جريمةً تُنزَل باسم الله ليست جريمة. النفاق البشري وحدهُ يُحاول أن يجعل الله شريكاً بالجريمة..

وإن كان لا بُدَّ من الإيمان بهكذا إله لكي أنال الخلاص، فأنا سأتوقّف عن الإيمان وأرضى بالجحيم مُستقبَلاً لي، ذلك أنّ َوطأةَ الجحيم ستكون أخفّ من عذوبة السماء مع إلهٍ لايَفقَهُ من الألوهة إلاَّ القتل والبطش.

فإلى إلهي الذي أعبُده أقول: "أكفر بهذا الإله". نعم أَكفر، والكُفرُ، في هذه الحال، فضيلة العاقلين.