كان يمكن للقاء وليد جنبلاط والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ان يكون له ارتدات اكثر من التي حصلت او مفاعيل اكثر اهمية لكنه مر بالهدوء وكأن العاصفة لم تهب ابداً بين الرجلين فلم يسبب صدمة او يثير زوبعة خصوصاً ان الشخصيتين الأكثر إثارة على الساحة الداخلية لم تلتقيا منذ اكثر من ثلاث سنوات تخللهما الكثير من المد والجزر والاختلاف في السياسة والمواقف. سألت مصادر سياسية متابعة للملف هل هو التبريد الذي يحصل على كل الجبهات وبين اخصام الأمس بالسياسة الذي القى بتأثيراته على لقاء السيد والبيك الدرزي او الأحداث الضاغطة والخطيرة التي يمر بها لبنان والمنطقة والتي جعلت الطرفين يحتاجان الى لقاء او ربما اكثر في الوقت اللاحق ويغضان النظر عن مرحلة سيئة في العلاقة تخللها الغدر والحقد في السياسة الذي بلغ أعلى سقوفه، ام هي الحاجة للآخر التي جعلت وليد جنبلاط يفكر ملياً بالعودة الى حضن حارة حريك في زمن داعش وتهديداتها ومخاطرها بالقضاء على الأقليات؟

بالمؤكد فان وليد جنبلاط ليس رجلاً عادياً في السياسة كما تقول المصادر، فهو القادر على التقلب مئات الدرجات في الدقيقة الواحد وعلى تغيير وتبديل مواقعه في اي لحظة وعندما تقتضي الضرورة ومصلحة طائفته ووجوده، وبالمؤكد ايضاً ان السيد وفق المصادر يملك من القدرة على التحمل والتبصر في الأمور تجعله قادراً على التعاطي مع كل التقلبات والاختلافات وهو الذي استطاع بقيادته الحكيمة للمقاومة ان يحقق اقسى الانتصارات على الجيش الذي لا يقهر ويرده وهو يجر ذيول خيبته الى حيث اتى وتوهم بتحقيق الانتصار وقهر المقاومة. وبالتالي فان ذلك يعني ان كل من سيد المقاومة والزعيم الدرزي يدركان ما يفعلان اليوم واين مصلحتهما في الجلوس مجدداً مع بعض رغم كل ما حصل، فلم يكن صعباً على وليد جنبلاط تقول المصادر الذي اطلق اقسى العبارات بحق حزب الله واعتبره عدوه الاساسي بعد النظام السوري والذي قال يوماً انه يقف على حافة النهر ينتظر وصول جثته لان يخطط للقاء السيد بعد الرسالة الشفوية التي حملها جنبلاط للوزير علي حسن خليل، ولم يكن صعباً على جنبلاط ان يتناول من مكتبته كتاب عن سايكس بيكو ليحمله معه الى الضاحية للأخذ من العبر وما تم تخطيطه ورسمه من خريطة للمنطقة وليضعه على مكتبة السيد.

واشارت المصادر الى ان اهمية اللقاء تكمن أولاً في شكله وبانه تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء فليس سهلاً ان يجلس الرجلان وجهاً لوجه بعد كل هذه الحقبة من العداء، وان كان المعروف ان العلاقة بين الزعيم الدرزي وحارة حريك تجاوزت المحظورات والفيتوات منذ تشكيل الحكومة وما قبلها بكثير، والتنسيق الأمني قائم على اعلى المستويات بين الاشتراكي وحزب الله منذ عملية اطلاق الصواريخ على الضاحية وبعبدا بتفويض شخصي لجنبلاط للحزب بالعمل الأمني في بعض المواقع الجبلية المطلة على الضاحية.

ولكن اذا كان التكتم سيد الموقف فان ما تسرب ليس بالكثير وهو يتمحور حول ضرورة تفعيل العمل الحكومي ورفع التنسيق بين الأجهزة الامنية ومع حزب الله، فان الهم الإقليمي كان العنوان الأكبر للقاء في ضوء ما يجري من مجازر اسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة ومن إبادة للمسيحيين في الموصل واحتمال تمدد الحالة الداعشية وتسللها الى لبنان خصوصاً ان جنبلاط من المتحسسين بقوة لمخاطر الإرهاب الأصولي على الأقليات في المنطقة وهو الذي يؤكد ان داعش صارت على الحدود اللبنانية ولا شيء يضمن انتقالها الى الداخل.

فالزعيم الاشتراكي بات على يقين تؤكد مصادر مقربة منه بان البلاد دخلت مرحلت الخطر الفعلي والحقيقي في ظل الفراغ الرئاسي، وهو يرغب منذ تشكيل الحكومة بالتقرب من حزب الله، كما يرغب بحصول التعايش ولو على مضض بين 14 و8 آذار من اجل الأسباب ذاتها التي جعلته ذات يوم يترك مقاعده في صفوف 14 آذار مفضلاً اتهامه بالخيانة على لقب تحميله او توريطه في خراب البلد، وعلى هذا الأساس تجاوز جنبلاط ملاحظاته واحقاده على الضاحية كما اخطاءه الكبيرة بحق حزب الله وأرسل اكثر من مرة في السابق اشارات حسن نية بفتح صفحة التعاون مع الإبقاء على مواقفه السياسية معدلة او منقحة وخالية من التشنج مع حارة حريك.

فجنبلاط كان اكثر المرتاحين لتموضع الحريري الجديد تضيف المصادر واول المهنئين لزعيم المستقبل على قبوله الانضمام الى الحكومة السلامية وعلى مواقفه الوطنية وتغليبه المصلحة العامة وشؤون البلاد على عواطفه الشخصية، وبالطبع فان مشهدية وفيق صفا ونهاد المشنوق في محيط الضاحية لم يزعج جنبلاط وهو الذي سبق المستقبل باشواط الى لقاء في عز البحث عن حل للأزمة الحكومية بمسؤول الارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا طبعاً الى جانب الوزير علي حسن خليل من قبل رئيس المجلس للتوافق على مخرج لمشكلة الحكومة العالقة مع تلويح رئيس الجمهورية والرئيس المكلف و14 آذار بالسير بحكومة حيادية او حكومة أمر واقع، فجنبلاط حينها وقف في الموضوع الحكومي طرفاً الى جانب بري وحزب الله برفضه القاطع مبدأ السير بتلك الحكومة التي تستثني حزب الله وتضعه خارج التركيبة الحكومية المفترضة..

يدرك جنبلاط اليوم بحسب المصادر المقربة من جنبلاط ان الجميع يحاول تقليده واللحاق به، فزعيم الرابية قام بانقلاب على غرار انقلابات جنبلاط 180 درجة عندما فتح ذراعيه لملاقاة سعد الحريري، في حين ان العلاقة بين المستقبل والضاحية لم تعد تشبه نفسها بل كسرت دائرة المحظورات وبات يمكن فتح قنوات تواصل بين أمن حزب الله ووزراء المستقبل في الوزارات الأمنية سواء في الداخلية او في العدل. فالواضح ان الجميع يشبهون اليوم وليد جنبلاط، وان الجميع مرشح في اي وقت ليكون صورة عن وليد جنبلاط، وان الانتقادات لزعيم المختارة لم تعد لائقة لأن الجميع يقلدونه في الانقلاب على الذات لمواكبة الأحداث والمتغيرات. فمن البداية اثبت جنبلاط ان ما قرره لا يمكن ان يكون عبثياً اعتباطياً او خالياً من الحسابات الدقيقة التي تشمل كل الملفات والتي تتصل بالوضعين اللبناني والسوري وما يمكن ان يحصل على الساحة اللبنانية مع تزايد مخاطر وتهديدات داعش لها.

ورغم كل ذلك فان هذا لا يعني ان جنبلاط بات ركنا في 8 آذار تشير المصادر نفسها وانه عائد بقوة الى المربع الذي خرج منه منذ سنوات، لكن الزعيم الدرزي يحسبها جيداً، فحسابات 14 آذار ورهاناتها ثبت انها جميعها خاسرة، فالأوضاع في سوريا تبدلت كثيراً بعد تزايد ارهاب داعش وضياع الثورة السورية، وحاكم سوريا تحول بنظر عواصم كثيرة والشعوب العربية من «ظالم الى ضحية» نتيجة ما يحصل في سوريا ومع دخول كل إرهابيي العالم الى الأراضي السورية للقتال ضد النظام، وما يحصل على الحدود الشرقية وجرود عرسال لا يوحي بالطمأنينة، ويعكس خطورة الوضع اللبناني مع تسلل القاعدة وأخواتها الى العمق اللبناني. كل ذلك يجعل جنبلاط وفق الأوساط يعيد تقييم ذاته وأخطائه السابقة حتى لا يقع في أخطاء جديدة على حساب الوضع اللبناني، هو بدون شك لن يعود الى المحور القديم، لكنه لم يعد «عكازة» 14 آذار ولا يرضي غرورها ابداً ولا يمكن ان يكون سنداً لها في الداخل بعد تراكم هفواتها ومع التغييرات الإقليمية وفي المشهد السياسي الجديد ومن اجل انقاذ لبنان واجتراح الحلول الانقاذية وسط الحريق او الزلزال القادم الى المنطقة.