قد يكون الرئيس المصري ​عبد الفتاح السيسي​ هو أسرع شخصية سياسية تتبدل المواقف حولها في التاريخ الحديث. لم يعد الرجل ذلك "القائد" القادم من المؤسسة العسكرية لإنقاذ "الأمة" بعد سنوات من غياب مصر عن الساحتين العربية والإسلامية. تحول السيسي سريعاً إلى متهم في نظر من كان يسوق له قبل أشهر قليلة، بعد أن سقط في الإمتحان الأكبر: ​العدوان الإسرائيلي​ على غزة.

راهن الكثيرون على قدرات وزير الدفاع السابق، من دون أن يأخذوا بعين الإعتبار التبدلات التي حصلت في مصر، فتحول السيسي بين ليلة وضحاها من "بطل قومي" إلى خليفة الرئيس السابق محمد حسني مبارك في مواقفه من القضية الفلسطينية، من دون أن يعطى حتى حق الدفاع عن نفسه، لا سيما بالنسبة إلى المبادرة التي تقدمت بها حكومته لوقف إطلاق النار، والتي حكماً لم تكن على قدر الآمال المعقودة.

في الشارع المصري، هناك فئات واسعة تتفهم الموقف الرسمي لبلادها، هي تعتبر أن حركة "حماس" لعبت دوراً سلبياً في الفترة السابقة في الأحداث الداخلية، وكانت بسبب إنتمائها لحركة "الإخوان المسلمين" شريكة في بعض أعمال العنف التي حصلت، لكن الحرب الإسرائيلية اليوم لا تستهدف الحركة فقط، ومن يقتل في قطاع غزة لا ينتمي حكماً إلى "حماس".

في هذا السياق، لا تنفي إحدى الشخصيات اللبنانية، المنتمية إلى "التيار الناصري"، رهانها سابقاً على الرئيس المصري الحالي، حيث كانت ترى فيه "القائد" جمال عبد الناصر، لكنها اليوم تعرب عن أسفها لأن السيسي سقط في الإمتحان الأول له، ولم يقدم أي موقف يؤكد فيه أنه من مدرسة عبد الناصر، لا بل هي تذهب إلى حد إتهامه بـ"الخيانة" و"العمالة" بسبب مشاركته في الحصار المفروض على غزة. وتتذكر هذه الشخصية، في حديث لـ"النشرة"، كيف عملت بعض الأحزاب الناصرية في بيروت على تنظيم المسيرات المؤيدة له قبل ترشحه للرئاسة، وكيف رفعت الشعارات له بعد فوزه الساحق في الإنتخابات الرئاسية، لا بل هي ذهبت إلى حد توقيع مذكرة تطالبه بالترشح، وتلفت إلى أن هذه الأحزاب دافعت عنه بشراسة بسبب رهانها على أن "القائد" القادم من المؤسسة العسكرية لا يمكن أن يكون إلا مؤيداً لقضايا "الأمة".

وتوضح هذه الشخصية أن هناك من كان يعتقد بأن إسقاط الرئيس السابق محمد مرسي كان بداية مرحلة ستعيد مصر إلى سابق عهدها، بفضل التلاحم الكبير بين الشعب المصري وقواته المسلحة، التي بلا شك حمت الإرادة الشعبية، وتشير إلى أنها كانت تتوقع أن تكون القاهرة في المرحلة المقبلة أقرب إلى محور المقاومة من أي وقت مضى، لكن حساب البيدر لم يأت مطابقاً لحساب الحقل، والسيسي لم ولن يكون عبد الناصر الجديد بالمواقف التي يتخذها حالياً، وتضيف: "لا نستبعد أن نخرج في مظاهرة منددة بمواقفه خلال أيام قليلة إذا ما إستمر العدوان على غزة".

وعلى الرغم من هذه النظرة السلبية، لا يزال رئيس أحد الأحزاب الناصرية اللبنانية يراهن على دور "المشير"، يعتبر أن موعد التغيير في الموقف المصري لم يحن بعد بسبب الظروف التي تمر بها البلاد، ويبرر عدم أخذها مواقف مصيرية بالإنشغال في العديد من القضايا الداخلية المهمة، لا سيما على صعيد الأوضاع الإقتصادية والأمنية، لكنه يؤكد أن السيسي سيقود مصر إلى التغيير حتماً.

ويلفت، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن أحداً لا يستطيع أن ينكر حجم الغضب في الشارع العربي من الدور المصري، خصوصاً أن معبر رفع البري لا يزال مقفلاً، إلا أنه يؤكد أن هذا الوضع لن يستمر طويلاً، ويعتبر أن إنتصار المقاومة في غزة سوف يرسم معادلات جديدة في المنطقة، سيكون لها تداعيات على الأوضاع المصرية.

في المحصلة، لم ينجح السيسي في الإمتحان العربي الأول له، لم يقنع موقفه من العدوان الإسرائيلي على غزة، حتى أولئك الذين روجوا لترشحه قبل أشهر قليلة، ولم يعد يذكرهم بـ"حلم" عبد الناصر الذي لم يتحول إلى حقيقة.