حين بدأت إسرائيل حربَها الجديدة على غزة في الثامن من هذا الشهر، دفعت بخمسين ألفاً من جنودها إلى الجبهة، أمس، وبعد ثلاثة وعشرين يوماً على هذه الحرب، تُعلن التعبئة في صفوف ستة عشر ألف جندي إضافي من قوات الإحتياط، وفي تفسير أولي لهذه الزيادة أو هذه الإضافة أنَّ اسرائيل فشلت حتى الآن في تحقيق أهدافها من الحرب، وأنَّها قرَّرت تمديدها من أجل تحقيق ما لم تستطع تحقيقه في المرحلة الأولى.

ماذا تعني هذه الخلاصة الأولى؟

تعني أنَّ لبنان الذي لم يعد يملك سوى استراتيجية الإنتظار ليس أمامه سوى أن ينتظر إنتهاء حرب غزة ليعرف مسار التطورات التي سيشهدها على مستوى إستحقاقاته الكبرى. ففي زمن الحروب لا تلتفت الدول الكبرى سوى إلى النقاط المشتعلة، ولبنان ليس منها حتى الآن.

***

في موازاة هذا الخطر، يبدو أنَّ هناك خطراً آخر، فالنائب وليد جنبلاط المعروف عنه أنَّه يستشعر موجات الخطر قبل حصولها، يدقُّ ناقوسه من خلال تنبيهه إلى أنَّ تنظيمات متطرفة تكاد تصبح على الحدود مع لبنان، كما يتضح لكلِّ من يتابع خريطة توسُّع سيطرة هذه التنظيمات، ويلفت جنبلاط إلى أن هذا الأمر يتطلب أقصى درجات اليقظة، إذْ يكفي أنَّها على حدودنا حتى نشعر بالخطر.

***

إذاً، لبنان راهناً يقع بين خطريْن مُحدِقَين على حدوده:

1 - خطر الحرب الإسرائيلية على غزة.

2 - وخطر تمدّد التنظيمات المتطرفة.

وبين هذين الخطرين كيف يجب أن يتصرَّف لبنان؟

وما هي خطته للمواجهة؟

الأجواء في البلد لا توحي بأنَّ السياسيين يستشعرون الخطر، ولو كان الأمر كذلك لكانوا تصرَّفوا وفق هذه المستجدات، وليس وفق الأوضاع التي كانت قائمة قبل حرب غزة وما قبل إستفحال خطر التنظيمات المتطرفة. هل يُعقَل أن يتصرَّفوا وكأنَّ لا شيء تغيَّر؟

هل يُعقَل أن نبقى في فراغٍ رئاسيّ فيما الفراغ النيابي على الأبواب؟

وكيف تصمد حكومةٌ بين فراغَيْن؟

***

حتى التمديد للمجلس النيابي دونه عثرات وعراقيل، فهو يحتاج إلى إجماع وزراء الحكومة، وقد لا يمكن تحقيق هذا الأمر، إذ يكفي أن يعترض وزير واحد من بين الأربعة وعشرين وزيراً على مشروع قانون التمديد للمجلس النيابي ليسقط المشروع، والإعتراض ممكن خصوصاً أنَّ التيار الوطني الحرّ يرفض التمديد وقد يمتنع وزراؤه عن التوقيع فيسقط المشروع.

في هذه الحال ماذا يمكن أن يجري؟

قد تتمُّ الإستعانة بالخطة ب، من خلال التوجّه إلى الهيئة العامة لمجلس النواب لطرح التمديد، لكن، وكما لقي المشروع إعتراضاً في مجلس الوزراء، فإنَّه يُتوقَّع أن يلقى الإعتراض ذاته في الندوة البرلمانية، فالتمديد للمجلس النيابي يتطلب حضور أكثرية ثلثي أعضاء المجلس، فكيف سيقبل البعض بتأمين أكثرية الثلثين للتمديد فيما لا تتأمن أكثرية الثلثين لإنتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية؟

***

إذا لم تحصل تسوية فإنَّ التمديد لمجلس النواب دونه مخاطر، فقد نصبح في جمهورية الفوضى ولكنَّها الفوضى المنسية، حيث أن الدول الفاعلة والمُقرِّرة ستكون منهمكة بالملفات الساخنة والملتهبة، من غزة إلى الموصِل، فماذا نحن فاعلون؟

للأسف لا أحد يملك جواباً، وكم يتمنى كثيرون أن نبقى في شهر آب من دون الدخول في أيلول، وهو شهر الإستحقاقات الكبرى بدءاً من الأقساط المدرسية والمستحقات الصعبة وصولاً إلى الإنتخابات الممنوعة.

لسنا في فراغٍ فقط، بل في غموضٍ أيضاً. وتلك هي الطامة الكبرى.