إنهم النازحون الذين فرّوا من نيران القصف والمدافع الإسرائيلية على الحدود الشرقية إلى وسط مدينة غزة وخان يونس جنوب قطاع غزة، محتمين في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" وبعض المنازل والمساجد التي ظنّوها ملاذًا آمنًا.

إنهم النازحون الذين تعجز الكلمات عن وصف معاناتهم، وهي التي تزداد سوءًا يومًا بعد آخر مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الخامس والعشرين.

إنهم النازحون الذين أصبحوا مشردين، بعد أن دُمّرت بيوت الكثير منهم، وفقد آخرون أفرادًا من عائلاتهم، بل بعضهم فقدوا أسرهم بكاملها، في وقت لا تزال إسرائيل تُصعد من عدوانها وترتكب المجازر بحق المدنيين والأطفال على وجه الخصوص، ويتفنّن العالم "المتواطئ" بالصمت الثقيل والمخزي..

معاناة التشريد والألم..

ولأنّ الظروف صعبة، حوّلت الأم وفاء فصلاً دراسياً تبلغ مساحته ثمانية أمتار عرض، وستة أمتار طول، إلى منزل صغير، تختصر فيه كل معاناتها في مشهد مؤلم، فالأبناء والأطفال يجلسون في زواياه، وجزء منه تحوّل إلى حمّام صغير، والجزء الآخر إلى مكان للنوم يفتقد لأدنى مقومات الحياة الانسانية.

تقول لـ"النشرة": "كنّا ننعم في بيتنا بحياة كريمة وهادئة، صحيح إننا عائلة كبيرة (الأب والأم وخمسة عشر شخصاً ثلاث فتيات وعشرة أولاد) وبيتنا صغير، لكنه كان يحتضننا، أما الآن فقد دمرته قوات الاحتلال في بلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس، وأصبح ركامًا".

وتتابع: "هنا نفتقر لأدنى مقومات الحياة الانسانية، لا ماء ولا كهرباء ولا لباس، وبالكاد نستطيع أن نوفر الطعام لأطفالنا، نحن أصبحنا مشردين".

لكن ابنها الشاب العشريني يقاطعها ويقول بصوت عال كله ألم: "ما حصل معنا يفوق نكبة الـ48، شردونا بالمدافع والطائرات من بيوتنا، لم نأخذ منها شيئًا، وهنا لا حياة أصلاً!"

وفرّت مئات العائلات الفلسطينية التي تقطن على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وتحديداً في حي الشجاعية وبيت حانون وشمال غزة، وبلدة خزاعة وعبسان الكبيرة والجديدة وبني سهيلا والزنة جنوب قطاع غزة، من القصف الإسرائيلي الذي طالهم إلى مدارس "أونروا" وبعض منازل أقاربهم، ومنازل المواطنين التي احتضنتهم، وإلى المستشفيات والمساجد، في وقت تقول "أونروا" إن أعداد النازحين في مدارسها تجاوز 220 ألف نازح.

نعيش في كارثة!

أما رب الأسرة مروان أبو طعيمة (48 عامًا) فيوضح أنه لم يجد ماءً كي يستحم منذ عشرة أيام، إذ أن قطاع غزة أصبح يعاني من أزمة خانقة في الماء والكهرباء التي انقطعت بالكامل عن قطاع غزة وبالكاد تأتي ساعتين فقط.

ويقول لـ"النشرة": "لم أضع الماء على جسدي منذ عشرة أيام، هل لك أن تتصور ذلك؟!" ويضيف: "نحن نعيش في كارثة، هذه ليست حياة، حتى أن القصف أصبح يطالنا ونحن في هذه المدارس، كل شيء لم يعد آمنًا في غزة".

أما صالح (19 عامًا) فيقول: "نحن نستحم في المسجد القريب من المدرسة إذا وُجد به ماء أصلاً، لكن الأسوأ من ذلك، هو معاناتنا في الحصول على الخبز والماء، فنحن ننتظر لما يزيد عن أربع ساعات أمام المخابز".

وفي مشهد يوصف المعاناة أكثر، لم تعد مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" تتسع لمزيد من أعداد النازحين، إذ أصبحت ساحتها مكاناً للجلوس والنوم حتى، لكنّ المؤلم هو اتخاذ بعض العائلات النازحة لقارعة الطريق ملجأ ومنزلاً لها بعد تعثر الحصول على مكان تحتمي به، وهو ما رصدته "النشرة" في خان يونس جنوب قطاع غزة.

وجه آخر للصمود..

ورغم كل هذه المعاناة واستمرار العدوان، يبرز جانب آخر، وهو مشهد الصمود والتحدي، ويقين هؤلاء النازحين بأن انتصار المقاومة بات قريبًا، والعودة إلى منازلهم باتت أقرب.

ففي حديقة مشفى الشفاء التي اتخذ منها المواطن سفيان خضر ملجأ له ولعائلته وأقربائه الذين فروا من مجزرة الشجاعية، يقول: "نحن على يقين أننا سنعود إلى الشجاعية ولن نرى منازلنا لأنها دمّرت بالكامل، لكننا سنعيد بناءها وإعادة الحياة إليها من جديد، نحن تعودنا على جرائم واعتداءات الاحتلال، لكنّ صمودنا هو أكبر مقاومة في وجه المحتل".

ويتابع في حديث لـ"النشرة": "فقدنا أبناءنا وجيراننا، وبيوتنا أصبحت أثراً، لكننا واثقون بالمقاومة وبالنصر الذي بات قريباً، الحرب لن تطول، ومعاناتنا سنغيرها بصمودنا رغم كل شيء".

للاطلاع على مزيد من صور معاناة النازحين اضغطهنا