قرار مجلس الوزراء الاخير الغاء وثائق الاتصال ولوائح الاخضاع الصادرة عن الاجهزة الامنية لاقى استحساناً لدى الجميع وحتى داخل الاجهزة الامنية التي كان يرى البعض منها انها تؤدي في بعض الاحيان الى ظلم الكثير من الناس لا سيما ان بعض المخبرين الذين لا تكشف هويتهم قد لا يكونون منزهين عن ظلم بعض الناس بناء على معلومة قد تكون غير صحيحة تؤدي الى توقيف اشخاص ابرياء لمدة غير محدودة الى ان يقف هؤلاء امام المحكمة العسكرية ليتبين الخيط الابيض من الاسود ولكن في هذه الحالة من يعوض على هؤلاء الذين اهينت كرامتهم.

من هنا فان الغاء هذه الوثائق ترك ارتياحاً لدى شريحة كبيرة من الناس ولكن هناك امور اخرى يجب معالجتها ومنها ما يتعلق بالمادة 47 اصول محاكمات جزائية حيث يتردد على لسان اكثرية المحامين ان هناك مخالفات كثيرة تحصل في تطبيقها.

من هنا طرحنا عدة اسئلة على النقيب السابق للمحامين في بيروت نهاد جبر حول هذه النقاط اضافة الى موضوع مشروعية التمديد لمجلس النواب وانعكاس تلكؤ النواب عن انتخاب رئيس الجمهورية على الوضع في لبنان.

اكد النقيب جبر ان الغاء مجلس الوزراء لوثائق الاتصال الامنية ولوائح الاخضاع الصادرة عن الاجهزة الامنية خطوة هامة لو كانت البلاد تنعم بالامن، انما في الظروف الحالية وازاء المخاطر المحدقة بها وبالمواطنين عموماً، فانه يرى انها غير مناسبة وتتناقض مع تأكيد مجلس الوزراء بثقته بالجيش اللبناني ودعمه الكامل له في مهمته من أجل الحفاظ على الاستقرار والامن. وأن تقييد وثائق الاتصال ولوائح الاخضاع بمذكرات قضائية سوف ترهق القضاة في ابداء رأيهم بها وتستلزم منهم وقتاً ومجهوداً قد لا يتوفران، عدا عن أن تحميلهم هذه المسوؤلية وهي ليست من ضمن مهامهم، لا تأتلف والمسؤولية الامنية التي ليست على عاتقهم بل على عاتق الاجهزة الامنية، التي بفضل هذه الوثائق تمكنت من استباق حصول أعمال ارهابية وكشف المنفذين والمخططين لها. وبكلمة مختصرة، لو ان الاحوال طبيعية، لما كان لزوم لهذه الوثائق واللوائح، لانها تمس بالحريات، انما في الاحوال التي يعيشها لبنان اليوم ، فهذه الوثائق واللوائح هي ضرورية لتمكين الاجهزة الامنية من القيام بواجباتها في حماية السلم الاهلي من المخاطر التي تتهدده، بحيث انه من الصائب تأجيل تنفيذ القرار المتعلق بهذا الامر، والذي نستغرب كيف انه حظي بأجماع مجلس الوزراء.

وتابع جبر ان المادة 47 من قانون اصول المحاكمات الجزائية أناطت بالضباط العدليين القيام بالمهام التي تكلفهم بها النيابة العامة وعليهم واجب اطلاعها على ما يقومون به من اجراءات، وقد وضعت لهم أصولاً وشروطاً يقتضي التقيد بها وهذه المادة تتعرض لمخالفات تصب في خانة اكراه المشتبه به على الكلام تحت وطأة الترهيب والتعذيب المعنوي والجسدي وهذا ما يعرض افادته للبطلان، وأيضا عدم تمكينه من الاتصال بأحد أقاربه أو بمحاميه الذي يمنع من الحضور بجانبه عندما يكون الضابط العدلي هو القائم بالتحقيق معه.

وشدد جبر على ان عدم تقيد الضابطة العدلية بالشروط الشكلية المنصوص عنها في المادة 47 هو موضوع انتقاد المحامين بحيث يقتضي تعديلها لجهة الزامية حضور محام مع المشتبه به، وأن يقوم قضاة النيابة العامة بالتحقيق تسهيلا لعمل قضاة التحقيق حتى لا يعاودوا التحقيق من النقطة الصفر وصونا لحقوق المشتبه به.

اما في موضوع التمديد للمجلس النيابي، فلفت جبر الى انه سبق له ان نبه لهذا الامر ابان ولايته السابقة كما نبهت نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس ، في عدة بيانات ومؤتمرات صحفية، حذرتا فيها من التمديد للمجلس النيابي، وهما أول من أشارا الى مبدأ انتهاء الوكالة بانتهاء مدتها ولا يجوز للوكيل تمديدها دون رضى الموكل، الا أن المجلس النيابي تخطى كل المحظورات والاسس الديمقراطية ومدد لنفسه متجاهلا انتهاء وكالته المعطاة له من الشعب والمحددة مدتها بأربع سنوات ، وتقدم رئيس الجمهورية وبعض النواب بطعنين أمام المجلس الدستوري، الذي لم يتمكن من البت بهما لعدم اكتمال النصاب وأصبح التمديد أمرا واقعا. وفيما بعد، نبهت النقابتان من خطورة عدم انتخاب رئيس للجمهورية وكانتا تستشفان من سير الامور ان المجلس لن ينعقد لانتخاب رئيس وهذا هو الحاصل حتى تاريخه. واليوم، تعود الحال الى ما كانت عليه ، فالمجلس النيابي رغم الدعوات المتكررة لانعقاده ، لم يكتمل نصابه، والاشارات تدل على أن هذا المجلس سينعقد مكتمل النصاب للتمديد لنفسه مرة جديدة ولمدة سنتين ونصف السنة تكتمل بها ولاية له.

ان التمديد بحد ذاته غير مشروع ومناف لابسط القواعد الديمقراطية التي يتمتع بها النظام اللبناني ومخالف لمبدأ الوكالة التي أعطاها الشعب لنوابه وقد انتهت مفاعيلها في حينه، انما التمديد الاول وقد أصبح واقعا سوف يتبعه تمديد ثان، هو الآخر سيصبح واقعاً، والا أصبح البلد بدون رئيس للجمهورية، سيصبح أيضاً بدون مجلس نواب، وستصبح الحكومة مجلساً لتصريف الأعمال، فتشل مؤسسات الدولة بالكامل، وتعم الفوضى، وقد تكون هي النتيجة التي يبغيها من أحجم عن اجراء الانتخابات النيابية في موعدها ومن يحجم عن انتخاب رئيس للجمهورية.

ازاء هذا الواقع، ان التمديد للمجلس النيابي لا يتمتع بمشروعية في المطلق، انما السؤال الاهم، هل اذا استحال اجراء انتخابات رئاسية ومن ثم نيابية وهذه لن تحصل بفعل الانقسام حولها داخل المجلس النيابي، سيكون التمديد للمجلس النيابي ضرورة تحتمها مصلحة الدولة العليا، وقد يكون التمديد للمجلس نتيجة اتفاق غير معلن للسادة النواب كونه يريحهم ويقيهم محاسبة الشعب لهم ويبقيهم في كراسيهم، ولو أتعب غيرهم وأنهك البلد وقوض النظام.

وختم جبر ان الوجود المسيحي في الدول العربية اضمحل بشكل لافت، فهجرة المسيحيين منها بدأت قبل تهجيرهم من الموصل، مع انهم من الطوائف الفاعلة والاساسية في النهضة العربية وقوميتها وثقافتها والحضارة، فجاء من يقوض هذه على حسابهم وحساب بقائهم، واذا بقيت الدول العربية ساكتة عما يجري كما الحال اليوم، فان تهجير المسيحيين سيطال وجودهم في أية دولة عربية متواجدين فيها.

يبقى ان المسيحيين في لبنان الذين قاوموا وصمدوا على مر الازمنة من أجل البقاء ومن أجل صورة لبنان بلدا للتعايش والعيش المشترك ، سيستحيل تهجيرهم منه او على الاقل سيكون صعبا وصعبا جدا على من ستخوله النفس الاقدام على مثل هذه المغامرة ، لأن لبنان بطبيعته وتماسك أهله من كل الطوائف والمذاهب وتعلق مسيحييه به، وبالمبادرة الفردية، كما حصل في السابق، لن يكونوا لقمة سائغة وسهلة القضم والهضم من أي معتد عليهم في وجودهم وبقائهم فيه، ركنا أساسيا فيه وله ولهم، وهل بقدور أي كان أن يتصور لبنان باقياً بدون المسيحيين ؟