تردّدت قليلاً قبل أن أمضي في كتابة هذه المقالة. فهي ليست عما يجري في المنطقة، وما يتعرض له الجيش من اعتداءات، الى الجرائم التي تطال الملايين في سوريا والعراق.

ولكن بعد تفكير عدت واتخذت قرار المتابعة لأن الموضوع الذي اود ان اتطرق اليه هو على درجة عالية من الاهمية الا وهو ​الامتحانات الرسمية​ وما يتعرض له التعليم في لبنان، اضافة الى النتائج السلبية على مستقبل اولادنا والتربية في شكل عام. فعلى الرغم من تحقيق الكثير من المكاسب على صعيد التعليم والتطور خلال سنين منصرمة، ثمة حالة استياء وعدم ثقة تحوم حول الامتحانات الرسمية.

ولا شك في ان الجو العام ملبّد بالاخطار والازمات، لكنني اود ان اطرح مسألة الامتحانات العامة وقصة ابريق الزيت، اذ ان من المعيب ان ندّعي اننا في بلد حضاري فيما يجد آلاف التلامذة انفسهم كل سنة مكبّلين وعلى وشك أن يخسروا فرصتهم في بدء سنتهم الجامعية الاولى، بسبب غضب الاساتذة في المدارس الرسمية من جهة واصرار المسؤولين على المماطلة بانصافهم والموافقة على ما هو محق من المطالب التي يطرحونها من جهة اخرى. آن الاوان كي يتوقف التربويون والسياسيون في بلادنا عن خوض معاركهم وحروبهم على حساب التلامذة، الامر الذي وجد انقساما بين التلامذة، بين مؤيد لفريق او لآخر. لقد أدخلوا التلامذة في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل. كان حريا ان يأخذوا بأيديهم للعبور الى المرحلة الجديدة نحو مستقبل آمن ومزدهر.

فسنة بعد سنة تجد الاجيال الصاعدة نفسها في بلدنا تحت رحمة نظام امتحانات يسمح من ان يتحكم الاستاذ بمصير نتائجها، ناهيك بالضغط النفسي الذي يعانيه التلامذة واهاليهم.

في ظل هذا الواقع المحزن نتساءل الى متى يستمر المسؤولون في التقاعس بالشؤون التربوية في دولنا عن وضع حد لهذه المهزلة؟ لقد غدت الامتحانات الرسمية مصدر قلق وتعذيب للتلامذة وذويهم، فكل عام يقوم الاساتذة والسياسيون باستغلال المرحلة للقيام بما يشبه جولات المبارزة وعرض العضلات، فيما التلامذة الذين لا حول لهم ولا قوة يتخبطون في خضم الخوف من المستقبل. أليست هذه آلة تعذيب لتلامذتنا؟ كفانا أنانية واستخفافاً بمستقبل أولادنا الذين هم جيل المستقبل لوطننا، كفانا مماطلة وتأجيلاً في مسألة مصيرية كهذه، وتعالوا نعمل على حل يعيد الثقة بالدولة والاكاديميين وبالامتحانات الرسمية.

يعود تاريخ الامتحانات العامة الى ظاهرة قديمة جدا بدأت في الصين، حيث كان الهدف اختيار الموظفين لوظائف الخدمة العامة، ومن ثم أدخلها اليسوعيون في اوروبا الى المدارس والجامعات، فتطورت من امتحانات شفهية لتشمل ايضا الامتحانات التحريرية. فنحن اسوة بمعظم دول العالم في حاجة الى التحقق من حصول التلامذة على المعارف والمهارات الاساسية واتمام المراحل التعليمية بنجاح (certification) ولاصطفائهم (selection)، بحيث نضمن ان المؤهلين منهم يحظون بفرصة التنافس للانضمام، اما الى التعليم العالي واما الى معاهد التعليم المهني التي لا تقل اهمية من حيث كفاءة المتخرجين وتوفير فرص تخصص يحتاج اليها المجتمع. باختصار، آن الاوان لنعي ان الهدف الاساس من الامتحانات العامة ليس بث الخوف واليأس في نفوس التلامذة من خلال التعجيز، انما الهدف هو التوجيه والهداية. بغيتنا ان يكتشف التلامذة تلك المجالات التي ترفع حظوظهم في النجاح حين يبدأون رحلة التخصص في المعاهد والجامعات تحضيرا لمستقبل افضل. ففي الولايات المتحدة الاميركية مثلا والتي هي بين البلدان التي تعتمد الامتحانات الموحدة (standardized testing)، فان التحدي الذي يواجه التلميذ في سنته المدرسية الاخيرة هو ان يضمن قبوله في الجامعات العريقة، بينما في بلادنا ما زال التحدي هو النجاح في امتحانات البكالوريا او التوجيهية.

في ظل هذه الحقيقة التي لا تخفى عن الجميع نعود ونرفع الصوت مجددا بمطالبة السلطات التربوية للتحرك سريعا والبدء بالتخطيط لعملية تعيد هيكلة المناهج والامتحانات الرسمية، وجعل المناهج بعيدة من التركيز على الحفظ والتلقين، تحضيرا لبناء المعرفة من خلال الاستكشاف والتحليل والتفكير النقدي المبدع البناء.

امامنا انظمة عدة للامتحانات العامة يمكن ان نعتمدها لتطوير الامتحانات الرسمية في لبنان، ومنها النظام الالماني (abitur) والنظام الفرنسي (baccalaureate) والنظام البريطاني (matriculation) او (A levels)، ونظاما لـInternational Baccalaureate.

وفي خضم ازمة الثقة بشأن الامتحانات العامة، يجب ان تكون معايير التصحيح واضحة وعادلة تحت اشراف مؤسسة تابعة للدولة. ونعود ونذكر في هذا السياق بأهمية وجود مؤسسة مثل Ofsted في بريطانيا، مهمتها الاشراف على المؤسسات التربوية وتقويمها سنويا.

من هنا، ننصح باتباع الامتحان الموحد (standardized testing) بسبب اعتماده على النموذج الاختياري للاجابة عن الاسئلة، بحيث يضفي على عملية التصحيح الوضوح والموضوعية والتجرد والشفافية. فهذه الامتحانات هي مفصلية في حياة ابنائنا، وهي تمارس دورا كبيرا في تحديد المسار الذي سيتخذونه بعد انهاء المرحلة المدرسية، ودخولهم معترك الحياة. فاذا ما طورنا امتحانات موحدة من وحي المناهج التي ندرسها، سوف نتمكن من الاعتماد على نتائجها، بدلا من ان يرتكز القبول في الجامعات كما هي الحال في بلادنا على امتحانات مثل الـ SAT والـ TOFEL. والنتيجة انه ينضم اولادنا الى المعاهد والجامعات على نظام امتحان اكثر عدلا يحاكي ثقافتهم.

في النهاية نتوجه الى وزير التربية بالشكر على الجهود التي يقوم بها، قائلين له: يا معالي الوزير، تلامذتنا في حاجة الى "تنفس الحرية... نرجو الا تقطعوا عنهم الهواء..."، لا تقطعوا عنهم فرصا تضيع بسبب محاولات ارضاء الجميع على حسابهم. نحن نعتبرك الاول الذي يعرف ترتيب الاولويات. مطلبنا ان نعبد الطريق امامهم بعيدا من التجاذبات... فليكن الحل لمصلحتهم اولا لانهم هم لبنان المستقبل...

الامين العام – رابطة المدارس الانجيلية في لبنان