مَن يتوقّف عند بيانِ "هيئةِ العلماء المسلمين" ليلَ الأربعاء، بعد سلسلةِ الوساطاتِ (المشكورةِ) الّتي يبادرون بها بين ​الجيش اللبناني​ّ والتّكفيريّين الغرباء، تستوقفُه خلاصةٌ مفادُها أنّ "الإخوةَ المسلّحين" هم أصحابُ مبادرةٍ حسنةٍ، ومِن أصحابِ النيّاتِ الصّافية... وأنّ الإعلامَ هو مَن يُخرّب عليهم المناخَ الحسن والنيّات الطيّبة تلك بأخبارِه العاريةِ من الصحّةِ...

فأصحابُ الفضيلةِ، وربّما عن غيرِ قصدٍ، حمّلوا الإعلامَ مسؤوليّةَ تطوّراتٍ غير محمودَةٍ حدثَت على الأرضِ، تمامًا كما تُحمّلُ "كتلة المستقبل" النّيابيّةِ ليل نهار "حزب الله"، جزءًا مهمًّا من أحداثِ عرسال الأخيرة...

لكنّ ذاك الإعلامَ (المأجورَ، المحرّضَ والعميلَ)، اعتادَ في كلّ ضربٍ لمرتكزاتِ الدّولةِ أنْ يدافع بروحِه عن أسوارِ الوطنِ ومسلّماتِه، وفي كلِّ تسويةٍ سياسيّةٍ أو عسكريّةٍ أنْ يكونَ هو كبشَ الفداءِ...

ذنبُهُ فقط أنَّه يبحثُ عن الحقيقةِ، وهلْ مِن حقيقةٍ أنصع مِن أنَّ الجيشَ اللبنانيَّ هوَ صاحبُ السّيادةِ على أرضِه؟ فكيفَ إذا كان المشروعُ الآخر تكفيريًّا بامتياز؟

لكنَّ أكثرَ ما استفزَّ اللبنانيّين في خطابِ الهيئةِ الفاضلة، وصفُها التّكفيريّين بالـ "إخوة" المسلّحين. فما هو مقياس الأخوّة هُنا؟

نحنُ نعرفُ مثلاً أنّ في الجيشِ أخوّةً في السّلاح، كونَ الجميع يدافعون عن عقيدةِ الوطنِ وحدودِه. وبين المنتسبينَ إلى دينٍ سماويّ حنيفٍ أخوّةٌ تربط بينَهم برابطِ التّعاليم الفاضلةِ والممارساتِ النّبيلة... فأين النّبلُ والفضيلةُ في ممارساتِ التّكفيريّين؟ وأينَ العقيدةُ الّتي تجمعُهم باللبنانيّينَ – كلِّ اللبنانيّين؟ وهل لمجرّدِ أنّهم اسلامٌ في بياناتِ قيد الدّرس الّتي يحملونَها، يجعل منهم "إخوة" لنا؟ فإذا كانَ هذا هو المعيار فالمسيحيّ والدّرزيّ والبوذيّ... وحتّى اليهوديّ أكثر إسلامًا منهم لأنّ أحدًا لا يقترف فظائعَهم باسم الدّين...

إنّ هذه الصّفة –وبالإذن من فضيلةِ الشّيوخ– يرفضُها أوّلاً الشّرفاء في بلدة عرسال، الّذين كانوا خطّ الدّفاعِ الأوّل في المعركةِ عن المؤسّساتِ الرّسميّةِ في بلدتهِم. وأنا سمَّيت في نشرة الأخبار عبر "صوت المدى" شهيدَين من عرسال، سقطا في اليومِ الأوّلِ من المعارك دفاعًا عن نقطةِ قوى الأمن الدّاخليّ في البلدة، ورفضًا لدخولِ التّكفيريّين إليها. وأمّا عن المسؤولِ عن إدخالهِم البلدة على هذا النّحو فذاك شأنٌ آخر لا وقتَ مناسبًا للحديث عنه الآن...

لا أيّها السّادة الأفاضل: ليس الإعلام الوطنيّ اللبنانيّ المُناصر لجيشه وشهدائه عميلاً، ولا التّكفيريّون إخوة لنا، ولا يرضى السّوادُ الأعظمُ من الشّعبِ اللبنانيّ بالتّفاوض مع التّكفيريّين على سيادة الوطن.

بل الحريُّ بنا أنْ نبحثَ في سبلِ تحصينِ لبنان منهم، حتّى وإن اضطُررنا إلى نسيانِ "مآثر" الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد، والتّعاون مع "نظامِه" لردّ خطرِ هؤلاء الدّخلاء، على أرضٍ هي ترفضُهم أصلاً.

إنَّ في التّسميات الصّحيحةِ موضوعيّةً في المعالجةِ، وصولاً إلى نتائجَ أنجع... ولكن ثمّة حاجةً أيضًا إلى التّفاوضِ مع الجهةِ المناسبة، وصولاً إلى المصلحةِ المشتركة... من دولةٍ لبنانيّةٍ كاملةِ السّيادة (كما يريدُها "السّياديّون")، إلى دولةٍ سوريّةٍ سمّها ما تشاء، ولكن لا يمكنُ أنْ تنزعَ عنها تسميةَ الدّولة.

* صحافي وتربوي