منذ بداية الأزمة السورية احتدم الجدال بين القوى السياسية حول موقع لبنان من الأزمة. وكان رأي المسؤولين النأي بالنفس، وكان عمل الموتورين مساعدة الإرهابيين بالمال والسلاح والعديد، بحجة أن ما يحصل في سورية «ثورة شعبية». وتبيّنت سريعاً نتيجة ما حصل، وارتدّ الأمر على الوضع اللبناني أزمة سياسية وتفجيرات انتحارية وتهديدات ووعيداً وتحضيرات لإعلان إمارات جهادية إسلامية تكفيرية واحتلال مناطق للتناغم مع مشروع تقسيم المنطقة. وما يحصل اليوم في عرسال هو نتيجة الخيارات الكارثية التي تبناها الحكم اللبناني وبعض القوى السياسية. سمحوا للإرهابيين بأن يقيموا في بلدات لبنانية كثيرة، وقدّموا إليهم الحصانة والملاذ والطعام والشراب، فيما وفرّت جهات استخبارية السلاح والعتاد. حتى وصلنا إلى هذه المرحلة التي يُراد من خلالها الاعتداء على سيادة لبنان باحتلال أجزاء منه، خاصة في البقاع. استهدف الجيش مراراً وحُرّض ضدّه وهدّد سياسيون بتقسيمه، حتى أصبحت مناطق، بينها عرسال، خارج سلطة الدولة، بل مكاناً يخرج منه الإرهاب والخطر على وجود لبنان على الخريطة الجغرافية. إن ما يحصل في عرسال يتحمل مسؤوليته في المقام الأول المسؤولون السياسيون المحرّضون الذين حموا هؤلاء الإرهابيين وساعدوهم. الجيش هو ضحية أخطاء الكبار الذين يلعبون بالبلد وينخرطون في مشاريع مدمّرة، وعندما تحصل الكارثة يظهرون كأنهم لم يفعلوا شيئاً، مثل هؤلاء النواب من الشمال الذين لم يتركوا مناسبة إلاّ وحرّضوا فيها ضدّ الجيش وقتل أفراده، واليوم يتحدثون بلغة أخرى كأنهم أبرياء لا غبار عليهم.

يا للعجب، إنّ دماء أفراد الجيش اللبناني يتحمّلها أولئك الذين ملأوا المنابر والفضائيات كلاماً تحريضيّاً ودعوات تمسّ بهيبة المؤسسة العسكرية ووحدتها. هؤلاء يجب أن تُرفع عنهم الحصانة النيابية إذ هددوا بخطبهم وأفعالهم أمن الوطن وسيادته.

بلى، قام الجيش في عرسال بواجبه الوطني تداركاً لما هو أعظم وأخطر فكلنا يشاهد ويرى ما يحصل في العراق من تهجير وسبي وقتل وتهديم للمساجد والكنائس. فهل يسكت الجيش حتى يأتي هؤلاء المجرمون على كل قرية في البقاع مدمرين ومفسدين وناهبين ومشرّدين لأهلها ؟ هل يسكت الجيش أمام الدماء التي تنزف بلا أي رد فعل! هل يشاهد ويتفرج كيف يدخل هؤلاء فلا يتركون حجراً على حجر فلا يردعهم! لذا نؤكد أن ما قام به الجيش في عرسال هو منتهى الوطنية والحرص على وحدة البلد وأمنه واستقراره. وعلى اللبنانيين أمام هذا المنعطف المصيري الخطير أن يعرفوا أن الجيش أحرص من القوى السياسية على الوطن. إنه يقدم الدماء ويجلبون هم الأزمات والمشاكل والويلات. أظهرت أزمة عرسال الشريف مِن هو المنافق والوطني ومَن هو المصلحي. وكشفت الحوادث المؤلمة كشفت أنه لم يبق في الوطن إلاّ القليل القليل من المخلصين الشرفاء، والأكثر هم تجار قضايا وشعارات. نقول للجيش: الأمر لك، سواء وقف معك السياسيون أو لم يقفوا، دعموا أو لم يدعموا. الوطن ضمانة بين يديك في حين تتمزق الأوطان وتتشظى الشعوب. أرادوا في عرسال استئناف مخططهم في ضرب الاستقرار في لبنان لكنهم تعرضوا لبأس الجيش وعزيمته في محاربة الإرهاب والانتصار عليه مهما بلغت التضحيات. من جاء بالسحرة الإرهابيين ينقلب على عاقبيه ذليلاً مهاناً. قال تعالى: مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ .