منذ لحظة دخول رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ إلى السراي الحكومي، تبدلت الكثير من الأمور على الصعيد السياسي اللبناني، لا سيّما بالنسبة إلى موقع رئاسة الحكومة.

ظهر "الشيخ المغترب" وكأنه عاد لإسترجاع ما أخذ منه من "مجد" على مدى أكثر من ثلاث سنوات مضت، بعد إسقاط حكومته من قبل قوى الثامن من آذار والتيار "الوطني الحر"، خلال لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومن الطبيعي أن يكون رئيس الحكومة ​تمام سلام​ أكبر المتضررين من ذلك، خصوصاً أن الحريري عاد مدعوماً بـ"مكرمة" سعودية تبلغ مليار دولار.

ومباشرة بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الحالية، لم يتصرف "البيك" كرئيس فعلي لها، فبالرغم من الشعارات الكثيرة التي أطلقها، كان من الواضح أنه ينتظر أن يقوم غيره بكل ما يلزم لإنجاح مهمته، وربما يعود ذلك إلى أن أحداً لم يكن يتوقع أن "تسقط" هذه المهمة عليه في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، وهذا ما بدا لاحقاً من خلال مشاورات التأليف بشكل جلي.

من وجهة نظر مصادر متابعة، يتصرف رئيس الحكومة كما لو أنه يؤدي وظيفته كـ"بديل عن ضائع"، لم يلعب الدور البارز في أي أمر، لا بل كانت العوامل الخارجية هي التي توفر ظروف نجاح أي "إنجاز" قد يسجل لحكومته، وكانت لعبة التسويات بين الأفرقاء المتنازعين على طاولة مجلس الوزراء هي التي تحكم قواعد العمل، وجاء دور "البيك" عبر إدارة هذه العملية بالشكل المطلوب منه، خصوصاً أنه لا يملك فعلياً في الحكومة التي يرأسها إلا وزيراً واحداً، في حين أن الثاني هو منتدب من قبل "تيار المستقبل"، وكان يوصف قبل توزيره بـ"القيادي" في التيار.

من هذا المنطلق، تؤكد المصادر، في حديث لـ"النشرة"، أنّ السراي الحكومي لم يعد خلال الساعات الماضية "البوصلة" التي يتوجه اليها السياسيون، ولا مركز انعقاد الإجتماعات، بل توجهت الأنظار إلى بيت الوسط حيث سلطة القرار الفعلية، فهناك يمكن لمن يريد أن يعرف التوجه الحقيقي لمجريات الأمور، هل ستحصل الإنتخابات الرئاسية في وقت قريب أم هناك تمديد جديد للمجلس النيابي؟ وكيف تم التوافق على إنتخاب مفتٍ جديدٍ للجمهورية اللبنانية، وما هي توجهات المملكة العربية السعودية الجديدة في لبنان؟

بالنسبة للأوساط المطلعة، الحريري عاد بناء على تعليمات سعودية شديدة الوضوح، وهي تريد القول من خلاله بأنّ أيّ تفاوض في لبنان يكون عبر رجلها الأول في لبنان، بعيداً عن الكلام من أنها لا تريد تكرار تجربة إغلاق "البيوتات" السياسية التي قامت بها بالسابق في عهد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري.

هذا لا يعني، بحسب ما تؤكد الأوساط في حديث لـ"النشرة"، أن المطلوب إستقالة الحكومة الحالية، لا سيما أن التوازنات التي تقوم عليها ترضي مختلف الأفرقاء المحليين والدوليين، وهي ضرورية في هذا الوقت، في ظل إستحالة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، كما أنه لا يعني أن "الشيخ"سيعود إلى السراي الحكومي في وقت قريب، فهذا الموضوع غير مطروح على بساط البحث حالياً، بحسب ما تؤكد مصادر تيار "المستقبل"، لكن الأكيد هو أن الحريري عاد ليكون صاحب سلطة الأمر والنهي، سواء كان ذلك داخل تياره السياسي، الذي تنازعت فيه أكثر من شخصية قيادية، أو في الحكومة، وبهذا المعنى سيتولى هو بنفسه أخذ القرار بما هو مناسب وما هو غير مناسب.

وتشير هذه الأوساط إلى أنه، لو كانت الأمور تتم بشكل طبيعي، كان على "البيك" أن يرفض التصرف من قبل الحريري كما لو أنه وصي على موقع رئاسة الحكومة، فكيف يمكن له أن يقبل أن توضع هبة مقدمة من دولة أجنبية تحت وصاية نائب في البرلمان، من دون التشاور مع الجهات المختصة، وتسأل: "هل يقبل أن تقدم إيران مثلاً هبة عبر رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، على أن يكون صرفها بوصايته؟ وهل يقبل عند ذلك أن يقوم رعد بعقد الإجتماعات مع قادة الأجهزة الأمنية وباقي المسؤولين من أجل أن يقرر صرفها بالطريقة التي يراها مناسبة؟"، وتشدد على أن ما يحصل لا يمكن فهمه إلا في سياق أن سلام يدرك أنه فعلياً ليس أكثر من "بديل عن ضائع" وجد اليوم وعاد إلى موقعه الطبيعي، وربما لو أن الظروف تسمح كان ليقول له الحريري بشكل واضح: "أعد لي حقي".