في الوقت الذي تُبدي فيه معظم القوى الإقليمية والدولية رغبة بشن حملة عسكرية على تنظيم "داعش"، بعد الإنتهاكات الكبيرة التي قام بها في العراق، تُطرح مجموعة من الأسئلة حول أسباب هذه الحماسة في هذه المرحلة، بعد أن كانت هي نفسها تغضّ النظر عمّا يقوم به قبل أشهر قليلة، بالرغم من وضعه من قبل بعضها على قوائمها الخاصة بالتنظيمات الإرهابية.

لم يظهر "داعش" إلى العلن في الأيام الأخيرة، كما أن مجازره ليست وليدة الساعة، بل لدى التنظيم تاريخ واسع من الأعمال الإجرامية، بدأ من العراق قبل نحو سبع سنوات، وعاد إلى بلاد الرافدين من جديد، بعد أن توسع في الأراضي السورية على مدى أكثر من ثلاث سنوات من الحرب القائمة هناك.

في هذا السياق، توضح مصادر إسلامية متابعة لأعمال هذا التنظيم أن هناك تاريخاً واسعاً من الجرائم، التي تصنف بأنها ضد الإنسانية، لدى "داعش"، منذ الولادة تحت إسم "الدولة الإسلامية في العراق"، وصولاً إلى إعلان "الدولة الإسلامية" ومبايعة زعيمه أبو بكر البغدادي "خليفة" على المسلمين تحت إسم "الخليفة إبراهيم"، بعد المرور بمرحلة "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، والتي كانت سبباً في بروز خلافٍ مع تنظيم "القاعدة" بقيادة أيمن الظواهري بسبب الصراع مع جبهة "النصرة" بقيادة أبو محمد الجولاني.

وتشير هذه المصادر الإسلامية، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن "داعش" إعتمد منذ البداية على الأسلوب الإجرامي الفظيع، بهدف زرع الرعب في صفوف أعدائه، وهو تعمد طوال هذه المدة نشر الصور والفيديوهات التي تظهر ذلك عبر مواقع التواصل الإجتماعي، كنهج في الحرب النفسية التي تُعتبر من أهم عوامل الإنتصار في أي معركة تخاض، وهو بالتالي إستفاد من ذلك بإضعاف الثقة في نفوس جيوش الدول التي يجتاحها، الأمر الذي أدى إلى كسبه المعركة قبل أن تقع في الكثير من الأحيان، وبيّن ذلك بشكل واضح بعد "غزوة" الموصل قبل أشهر.

من هنا، تنطلق المصادر لتشير إلى أنه على مدى السنوات السابقة لم تخرج القوى العالمية والإقليمية في هكذا موجة إستنكار، لا بل هي قدمت لـ"داعش" ومثيلاتها المساعدات التي تحتاجها في بعض الأحيان في سياق مواجهتها، وتضيف: "حتى الولايات المتحدة لم تنفذ تهديداتها ضد التنظيم عند غزوه بعض المدن العراقية، إلا بعد أن بات يهدد مصالحها في إقليم كردستان، بعد أن قرر "داعش" التمدد أكثر، ما يعني أن التحرك جاء ربما بعد أن تخطى التنظيم الخطوط الحمراء المرسومة له بشكل جيد".

وفي ضوء الحديث عن مساعدات عسكرية ضخمة ستقدم إلى إقليم كردستان من جهات دولية عدّة، وعن دعوات إلى القيام بحملات عسكرية ضد "داعش" بأسرع وقت ممكن، ربما تكون بغطاء من الأمم المتحدة، تطرح المصادر اسئلة حول هذه المواقف في حال قرر التنظيم بناء على ذلك وقف تمدده، أو أخذ قرارًا بالإنسحاب من المدن العراقية نحو المناطق السورية التي يسيطر عليها، وتسأل: "هل ستلاحقه الغارات الجوية إلى هناك؟ وهل الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مستعدة لتقديم الدعم العسكري للجيش السوري عندها؟ أم أنها ستقف موقف المتفرج كما كانت تفعل في السنوات السابقة؟" وتشدد على أنه حتى الآن هذه القوى لم تبدِ إلا رغبة بالدفاع عن مصالحها، فهي لاحظت الخطر عندما تهددت هذه المصالح، بعكس ما تروّج له من أسباب.

من ناحية أخرى، ترى المصادر السورية أن من الضروري البحث عن الموقف السوري بحال حصل هذا السيناريو، فهل هو سيقبل المساعدة الدولية والإقليمية أم سيرفضها بشكل مطلق، خصوصاً أنه يتهم غالبيتها بدعم "داعش" وغيره من التنظيمات المتطرفة في المنطقة، وتشير إلى أن حديث البعض عن حرب عالميّة تشن ضد التنظيمات الإرهابية لا يبدو منطقياً اليوم، خصوصاً أن الجميع بات يعلم أنها من صنيعة أجهزة الإستخبارات العالمية التي أرادت تحقيق أهداف سياسية من خلالها.

في المحصلة، تؤكد المصادر أن الأسابيع المقبلة ستكون مصيرية على هذا الصعيد، وستكشف إن كان المطلوب القضاء على "داعش" وأخواته، أم أن الأمر لن يخرج عن إطار السعي إلى تأديبه وتحديد الأهداف التي يجب أن ينفذها وحدها دون غيرها.