في إطلالته بالذكرى السادسة لانتصار المقاومة على العدوان الاسرائيلي في تموز من العام 2006 حرص الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في الشق اللبناني من خطابه مساء الجمعة الماضي على تأكيد تمسك الحزب ببقاء حكومة الرئيس تمام سلام مستمرة في مهامها وتسيير مرافق الدولة وشؤون الناس في ظل الشغور الحاصل في رئاسة الجمهورية واستمرار تعطيل التشريع في مجلس النواب الممددة ولايته.

ورغم ان الحكومة ليست مثالية او خارقة في انتاجيتها ايضاً الا انها المؤسسة الوحيدة التي تجمع ضفتي الازمة اللبنانية على مقاعدها ولاعبيها الاساسيين. فنقاط الاختلاف كبيرة من إدارة الشأن الامني الى الشأن الاقتصادي الى الشأن التربوي والمالي وصولاً الى ازمة التربية والتعليم وسلسلة الرتب والرواتب وأخيراً وليس آخراً الى محنة العسكريين المختطفين من مراكزهم في عرسال على ايدي ارهابيي النصرة وداعش والكلام عن سلوك التمديد لمجلس النواب لمرة ثانية طريقه الى التنفيذ في الاسابيع المقبلة. ولعل التمديد للمجلس هو طبق الصالونات السياسية الرئيس في هذه الايام فرغم "التعفف" عن طلب التمديد في صفوف القوى المسيحية من "التيار الوطني الحر" الى "الكتائب" و"القوات اللبنانية" والذين يتنافسون بطبيعة الحال على الشعبوية في اوساط الشارع المسيحي، فلن يجد الثلاثة مفراً من السير بهذا التمديد بغض النظر عن الطريق او الطريقة التي سيبرر فيها اللفظ الرفضي له او القبول الضمني به فليس في الإمكان افضل مما كان فخيار التمديد لمجلس النواب ليس مثالياً او خالياً من الشوائب لان التحجج بالظروف الامنية لعدم إجراء الانتخابات غير مبرر في حين شهدت مصر وسورية والعراق انتخابات، فإدخال تعديل بسيط على نص القانون يسمح بإجرائها في كل محافظة على حدة بدل إجرائها في كل لبنان خلال يوم واحد وكما كان يحصل قبل اتفاق الدوحة والانتخابات التي جرت على اساسه في العام 2009 اذ كانت تشهد كل عطلة نهاية اسبوع انتخابات في محافظة معينة.

وتشير اوساط متابعة الى ان الاقتراح تم تداوله بين القوى السياسية وبعد أخذ ورد تبين ان الجميع سيستسلم مرة جديدة للتمديد للمجلس لكن كل فريق يريد هذه المرة ايضاً ان يحصّل ثمناً ما من الموافقة عليه رغم ان القرار بالتمديد ليس نابعاً من ترف داخلي بل من واقع اقليمي ودولي ملتهب وينتظر الجميع في داخل ولبنان خارجه وضوح صورته لمعرفة اتجاه الامور والتحالفات.

فالرئيس نبيه بري لن يمضي في التمديد الثاني قبل تأكيد الرئيس سعد الحريري موافقته على تفعيل عمل مجلس النواب وعودة الروح الى التشريع وهذه العودة لن تكون الا بإقرار سلسلة الرتب والرواتب بينما المفارقة ان تيار المستقبل لن يوافق على اقرار السلسلة من دون الضريبة على القيمة المضافة التي يرفضها الرئيس بري و8 آذار ومعهما الهيئات النقابية. فهل سيدفع الحريري ثمن مطالبته اولاً بالتمديد؟. ويشير الاقتراح الذي ينص على تقسيم الانتخابات النيابية في المحافظات الى ان لا خوف على إجرائها في الجنوب وجبل لبنان وبيروت وحتى في عرسال يمكن إجراؤها بترتيبات معينة داخل البلدة ولن يؤثر على سيرها بعض القذائف من الارهابيين المنتشرين في الجرود. وحتى في البقاع والشمال وطرابلس يمكن إجراء الانتخابات من دون "ضربة كف" لكن النتائج في طبيعة الحال ان تأتي على قدر آمال تيار المستقبل صاحب المصلحة الاولى في تأجيل الانتخابات والتمديد. فهو يجهد اليوم لاطلاق ورشة تزخيم هذا التيار وتفعيل ورشه الحزبية وشد عصب جماهيره وإعادة توجيه بوصلة شارعه السني من التيارات التكفيرية الى "تيار الاعتدال" الذي يقوم عليه "المستقبل" منذ نشوئه. فالرهان على التيارات التكفيرية لقلب المعادلات في وجه "حزب الله" و8 آذار لم تجد نفعاً فالاستثمار في هذه المشاريع اتى بنتيجة معاكسة وسيترجم في صناديق الاقتراع حكماً.

التذرع بالاوضاع الامنية لاجراء الانتخابات سيبقى صالحاً لتنفيذ التمديد الثاني لمجلس النواب على التوالي وهو يعكس الرغبة الضمنية لكل القوى السياسية التي لن تقدم اي تنازل داخلي بعضها لبعض طالما ان هذه التنازلات الداخلية لن تكون ذات قيمة او جدوى في تغيير موازين القوى.

وعليه يبقى الرهان على حكومة جامعة للتناقضات مرت بقطوعات كثيرة وسيمر عليها الكثير وستبقى الى ما شاء الله تسيّر امور البلاد والعباد فلا رئيس توافقياً سيجلس على كرسي بعبدا قريباً ولا مجلس النواب سيعمل بانتظام في ولايته الثانية الممدة وحدها الحكومة تغرد على سرب الانتظار الاقليمي الطويل.