تتوزع الاهتمامات الرسمية بين الملفات الداخلية الشديدة التعقيد وهي تمتدّ على المساحات السياسية والأمنية والمعيشية، والتطورات الاقليمية والميدانية المتسارعة لما تحمله من مؤشرات ودلائل على ما يمكن أن تحمله المرحلة المقبلة التي تبشر بها التحولات الاقليمية والدولية، والتي استهلها الرئيس الاميركي ​باراك أوباما​ بإعطاء الضوء الاخضر المشروط لسلاح الجو الاميركي لتنفيذ غارات جوية ضد تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) من دون التورط الكامل على الساحة العراقية، والاكتفاء بالحد من تقدم التنظيم المذكور باتجاه المصالح الاميركية الحيوية أي منابع النفط وممراته، وذلك بعد أن مهّد لهذه الخطوة بقرار أممي صدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع مع إضافة أربعة من قادة التنظيم إلى لائحة الارهابيين المطلوبين من دون أن تتضمن اللائحة الجديدة اسم ​أبو بكر البغدادي​، في إشارة واضحة إلى أنّ الامور في المنطقة ما زالت مفتوحة على الاحتمالات كافة بما فيها تقسيم العراق إلى مناطق نفوذ أو إعادة هيكلته وفق قواعد جديدة مرتبطة بالمصالح الاستراتيجية للغرب واسرائيل في ظل اعتقاد راسخ بأنّ ما يحصل في العالمين العربي والاسلامي منذ سنوات لن ينتهي إلى ما كانت عليه الامور والسياسات قبل اندلاع الربيع العربي منذ حوالي الاربع سنوات.

وفي هذا السياق، كشفت معلومات دبلوماسية أنّ العمل يجري في هذه المرحلة على تنظيم حملة واسعة النطاق للبدء بحرب فعلية على الارهاب، من دون أن يعني ذلك أنّ الاتصالات والمشاورات وصلت إلى قواسم مشتركة. بيد أنّ النظام السوري و"حزب الله" وهما يشكلان عنصرًا أساسيًا في الحرب المفترضة على "داعش" وأخواتها، نظرا لخبراتهما القتالية والاستخباراتية وهي ممتدة بين مقارعة "حزب الله" لاسرائيل ومحاربة الجيش السوري للتنظيمات المسلحة وتمرسه في قتال الشوارع والانفاق، فضلا عن مشاركتهما في المعارك الميدانية، يطلبان أثمانًا سياسية ومعنوية مرتفعة لتشكيل رأس حربة الحرب على الارهاب. فسوريا تدرك يقينا بأنّ أيّ فريق لا يستطيع الانتصار على "داعش" طالما أنّ خطوط إمداد الاخيرة مفتوحة بين الرقة والعراق مرورا بالانبار على مصراعيها، فيما "حزب الله" متيقن بأنّ أيّ حرب مفترضة في الجرود الفاصلة بين لبنان وسوريا وتحديدا جرود عرسال وامتدادها الطبيعي باتجاه سوريا لا يمكن أن تحسم لمصلحة أيّ جيش بمعزل عن مساعدته المباشرة، فضلا عن يقينهما المشترك بأنّ أيّ تطور متصل بالمواجهة الميدانية بين قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية من جهة واسرائيل من جهة ثانية يعبر من خلالهما، وبالتالي فإنّ الأثمان المطلوبة تبدأ مع اعتراف أممي بشرعية النظام السوري ومشروعية "حزب الله" كمقاومة، ولا تنتهي مع تكليف عربي لهما بمحاربة الارهاب، وتمويل هذه الحرب بالعتاد والسلاح والذخائر.

وليس بعيدًا عن هذه الأجواء، لا تستبعد المعلومات عينها أن يكون الجيش السوري هو من يسمح بتقدم "داعش" على طول الحدود السورية العراقية اذا لم يكن يعمل على ذلك في ظل حسابات متصلة عسكريا وسياسيا لرفع منسوب الضغط على الدول العربية والخليجية التي بدأت تستشعر "الخطر الداعشي" المتجه سريعا نحو حدودها بما يهدد الانظمة والعروش بحسب التعبير للقبول بالدور السوري من جهة والاعتراف بـ"حزب الله" كمنظومة مقاومة قادرة على تغيير المعادلات وقلب الطاولة على الحلول الاقليمية اذا لم تكن في مصلحتها، وإلا فلتترك "داعش" خيار التقدم والاستيلاء على مزيد من الجغرافيا العربية والاسلامية طالما أنّ الاقليات المعنية بالصراع محمية بحزام عسكري فاعل وقادر على تأمين الامن الذاتي بحده الادنى.