بالنسبة الى المتطرفين الإسلاميين سواء في تنظيم "داعش" أو "​جبهة النصرة​"، لا فرق عندهم بين الإيزيديين أو المسيحيين أو الموحدين الدروز أو الشيعة أو العلويين أو المذاهب والفرق التي سبقت الإسلام أو جاءت بعده. هؤلاء المتطرفون يفرّقون أيضاً بين المسلمين السُنة: المؤيدون لتطرفهم، الممارسون لطقوسهم الإجرامية أوالمعتدلون.

كلّ عقيدة تختلف عن نمط تفكيرهم هي خطر على وجودهم، يقتضي محو ذكرها. حتى لو ساندتهم في السياسة والحروب. القضية عندهم تتعلق بالانتماء الديني. التجربة أثبتت ذلك في سوريا والعراق.

لم يحارب الإيزيديون "داعش" في الموصل. كانوا يعيشون بأمان ويعتقدون أنّ حماية ​البشمركة​ الكردية كافية لتأمين سلامهم الدائم. لم يشكلوا مجموعات مسلحة ولا تدخلوا في نزاع ولا في جدال فكري او عقائدي. لا زالت المآسي التي تعرّضوا لها حاضرة في حديث الأجداد لأحفادهم.

تعرّضت الايزيدية لحوالي 72 إبادة جماعية على يد الأكراد والاتراك على مدى القرون والسنوات التي مرت، ولكنها صمدت وبقيت، لدرجة أنّ الإيزيديين كانوا لا يدخلون المدارس خوفا من اعتداء المسلمين عليهم وضربهم، فسكنوا الكهوف في الجبال لعدة سنوات ومن ثم بدأوا يتدرجون بالنزوح.

يتهم الإيزيديون اليوم الكرد بأنهم تخلوا عنهم وسمحوا للمتطرفين بالدخول فجأة الى قراهم، فقُتل من قُتل وهرب من هرب.

قد يبدو للبعد العقائدي دور أساسي. بين الايزيديين من يعود الى أصول وجذور عربية، وبعضهم كُرد أصلاء، ومعظم الأكراد في تلك المساحة الجغرافية كانوا ايزيديين واعلنوا إسلامهم في القرون الماضية.

الحديث يتردد بين مجموعات "داعش" في جلساتهم وإجتماعاتهم و دروسهم الدينية عن ضرورة القضاء على كل الجماعات التي لا تدين لعقيدتهم. يعتبرون ذلك واجباً دينياً. يجذبون الى مجموعاتهم مسلحين آخرين كانوا إنضووا في جماعات مشابهة كجبهة "النصرة" تؤمن بنفس العقيدة مع بعض الفوارق البسيطة التي لا تعفي من "واجب القضاء على كل من يخالفهم العقيدة الدينية والمذهبية".

بالنسبة الى هؤلاء الحرب مقدسة. من هنا جاء إستهداف الدروز بدءا من محافظة إدلب السورية وصولا الى السويداء. الموحدون في قرى جبل السماق اجبروا في السنة الماضية على الرضوخ دون اي ذنب ارتكبوه، فقط لأنهم من المذهب الاسلامي الدرزي. لا تكفي الجزية وحدها. ألغيت الخلوات في تلك القرى التي يبلغ عددها 18 موزعة بين الجبل الاعلى والسهل. وغُيّبت العبادات الروحية وحلت مكانها دروس الجمعة الإجبارية، مع فرض إلغاء المظاهر التي تدل على الموحدين في اللباس والتصرفات والعادات.

يُعتبر دروز سوريا الطائفة الرابعة من حيث العدد البالغ 4 بالمئة من نسبة سكان سوريا ويتوزعون بين السويداء والقنيطرة وريف دمشق. يستعيد الدروز وقائع تاريخية عن محاولات إقتلاعهم من سوريا، يوم شن العثمانيون حرباً على الموحدين في قرى إدلب القريبة من الحدود التركية لتهجيرهم. اليوم تتكرر المحاولات ذاتها مع تردد أنباء عن رغبة الأتراك بإسكان التركمان مكان الدروز. إن صحت تلك الأنباء يعني وجود مزيد من الأدلة عن تورط أنقرة مع "داعش".

في الأيام الماضية هاجم مسلحون قرية داما في السويداء. سقط شهداء معظمهم من الموحدين الدروز. لم يكن الهجوم هو الأول من نوعه. سبقه توتر و ضحايا وإرسال سيارات مفخخة الى السويداء و خطف شباب ومشايخ دروز طيلة فترة النزاع السوري. ما بين حديث أهالي السويداء و الانباء عن مشاريع "داعش" يبدو ان القضية أبعد من خلافات سورية او تموضعات بين نظام و معارضة. تم وضع البدو في الواجهة لكن المحرّك فكر "داعشي" يتسلل الى المساحة السورية.

كما حصل مع الإيزيديين يريد المتطرفون إستهداف الدروز لإعتبارات عقائدية. على صفحات التواصل الإجتماعي رُصدت حملات ضد الموحدين الدروز يقودها "داعشيون" تدعو الى "أسلمة" الدروز او إبادتهم. يحرضون عليهم تحت إدّعاء "ان الدروز يبغضون المسلمين ويستبيحون دماءهم وأموالهم وغشهم عند المقدرة" او الحديث عن "باطنيتهم" و"فلسفتهم الكافرة". بعض "الدواعش" ذهبوا للتأكيد ان الدروز هم شيعة وجب هدر دمهم.

ما يحصل مع الدروز في أطراف السويداء هو مكمل لما حصل في ادلب، مع فارق أنّ القرى الإدلبية محاصرة و تشكل أقلية مقيّدة، بينما في السويداء تتوافر القدرة على المقاومة والمناورة والتحكم.

الهجوم على الدروز يأتي ضمن سلسلة محطات تكفيرية إقتلعت المسيحيين من الرقة ودير الزور و الموصل والإيزيديين من مناطقهم العراقية والمعتدلين السُنة من شمال وشرق سوريا وحاصرت الشيعة في نبل والزهراء في ريف حلب و استهدفت الإسماعيليين في ريف حماه والعلويين في جبال اللاذقية وحمص.

الفكر الداعشي نفسه لا يهضم التنوع ولا قبول الآخر. يتوزع هذا الفكر على مجموعات بمسميات دينية مختلفة لا تبدو فيها "النصرة" هنا بعيدة عن تنظيم "داعش". أثبتت التجارب ان لا مكان عندهم للسلم والأمان. لذلك قيل إنّ الدفاع في محاربة تمدد التطرف هو حرب وجودية.