كنّا أوّل من أشار إلى أنّ «حماس» تمتلك ضلعين غير متجانسين، على المستويين السياسي والعسكري، وأوّل من لفت الانتباه إلى أن هناك انزياحاً ورغبة وحاجة عند «قطر» كي تعيد «تموضعها» على المستوى الإقليمي، باعتبار أنّ هناك نسقاً كان ينمو ويتضح، وهو النسق «القطري التركي»، والذي يحوز على ثقة الضلع السياسي في «حماس».

إنّ انكسار مشروع العدوان على المنطقة والذي تمثل في رئيسية منه بصمود الدولة السورية وسقوط «الإخوان» في مصر، أعاد إنتاج خرائط داخلية للاصطفاف الذي شكّل حامل هذا العدوان، الأمر الذي فرض على «قطر» أن تعيد إنتاج تموضعها في هذا الاصطفاف، ولم يكن بدٌّ أمامها من استثمار سياسي يعيد رسم خريطة الاصطفاف، باعتبار أن النسق «المصري السعودي» كان ذاهباً باتجاه تجاوز النسق «القطري التركي»، من خلال ترتيب العلاقة مع كيان الاحتلال ذاته، باعتبار أنّ فاصلة البعد والقرب من كيان الاحتلال هي السمة الأساسية التي تعمل على ترجيح نسق على آخر، أو خلق أفضلية نسق على الثاني.

كان الصعود واضحاً عندما استطاعت مملكة «آل سعود» توسيع وترتيب العلاقة «المصرية الخليجية»، باعتبار أن التنسيق لم يعد فقط «سعودياً»، وإنما أضحى يتسع على حساب وضع «قطر» وعلاقتها بالفضاء الخليجي، فكانت العلاقة «القطرية الخليجية» تتراجع على حساب العلاقة «المصرية الخليجية»، وهذا ما كان يدفع بـ «قطر» كي تشعر أنّها خارج حسابات محدّدة وواضحة.

من هنا نشأ مفهوم الحاجة والبحث عن عنوان يمكن أن يستثمر في السياسة لإعادة إنتاج خريطة جديدة لهذه العلاقات، كون أنّ هذا الشعور «القطري» لم يكن شعوراً فرديّاً، وإنّما هناك من كان «شريكاً» به، أو هكذا كان يظنّ، ونعني به قيادة حماس في الخارج، الأمر الذي دفع كلاً من «قطر» و«حماس» كي تشتغلا على أهم ملف يمكن أن يعيد إنتاج هذه الخريطة، ونعني بها علاقة «حماس» بكيان الاحتلال، ولم يكن أفضل من المقاومة، للمساومة أو المقايضة عليها، في سبيل إعادة إنتاج هذه الخريطة، كون «المقاومة» بالنسبة لكيان الاحتلال كانت عنواناً ثميناً، على مستوى وجود الكيان ذاته، مثلما «المقاومة» هي عنوان ثمين بالنسبة لمملكة «آل سعود» على مستوى الحضور والوجود «الإيراني – السوري» في غزّة، كما أنّ عنوان «المقاومة» كان مهماً وثميناً جدّاً بالنسبة لـ «مصر» التي تعتبرها حامل خطر شديد على الأمن المصري القومي!.

هناك خطوات سبقت هذه الخطوة تؤكّد ما نذهب إليه، وهي «المصالحة» التي حصلت بين «السلطة» و «حماس»، كونها كانت محاولة في سبيل إعادة إنتاج هذا التموضع «القطري»، غير أنّ هذه «المصالحة» لم تكن كافية لذلك، الأمر الذي فرض سيناريو جديداً، والمتمثل في السمسرة والمقايضة على رأس «المقاومة» نفسها، خصوصاً أن هناك مسافة مهمة وخطيرة كانت تحصل على مستوى التباعد بين «حماس» القيادة في الخارج، وبين «حماس» المقاومة في الداخل، كون أنّ هناك سبباً رئيسيّاً وراء هذا المشهد الصاعد، ونعني به الخلاف الشديد الذي نشأ على حساب الاصطفاف الحاد «السوري – الإيراني» على أكتاف العدوان الذي شكّل الاصطفاف «السعودي – القطري» حامله الرئيسي على الدولة السورية، كون «المقاومة الفلسطينية» في غزّة لم يستطع حامل العدوان أن ينال منها، لكنه استطاع أن يسحب الضلع السياسي في «حماس الخارج» إلى حضن هذا الاصطفاف.

كلام «تميم» أمير قطر لملك «آل سعود» من خلال ما تم تسريبه أخيراً، حول محاولة الاستعانة بالدور «السعودي» للتأثير في المشهد «الغزاوي» كان مهماً في التدليل على أنّ «قطر» حاولت استعمال «المقاومة»، من خلال سؤال «سعودي» حول فهم الحاصل في غزّة، وهو سؤال فيه كثير من التهمة على شيء ما حصل من قبل «قطر» وليس للمملكة علم به، وهو ما أشرنا إليه منذ اللحظة الأولى، ونعني به العنوان الذي تحدث عن اختطاف ثلاثة من المستوطنين، وهي الظاهرة التي تكاد تكون غريبة على السياق العام الذي حكم فهم المقاومة لعلاقتها مع المستوطنين.

كلام «تميم» يحمل دلالات مهمة باتجاه أنّ هناك جهلاً تاماً بوضع وقدرة «المقاومة» في غزّة، ويؤكّد أكثر أنّ الأرض ليست ملكهم، وليست ملك قيادة «حماس» في الخارج، عندما نبّه «الملك السعودي» إلى الوجود المشترك لـ «إيران وسورية وحزب الله» في غزّة، خصوصاً أنّه سجل موقفاً سالباً من هذا الوجود وهذا الحضور، واعتبره وجوداً ليس في «صالح أحد»، كونه اعتبر الوجود «الإيراني – السوري» وجوداً ضاراً مشتركاً، وهل هذا الوجود كان ضاراً بالمقومة فعلاً؟!.

اللحظة السياسية الحالية تفيد بأنّ «المقاومة» يجب أن تبقى عالقة، ويجب أن لا يصرف ناجزها، مطلوب أن تبقى خارج خريطة التسويات على غزّة، أو على إيقاف العدوان على غزّة، بعيداً عن عنصر المقاومة، من خلال العمل على الدخول في حالة ساكنة أو العودة إلى وضع بارد في غزة، من دون إمكانية أن تكون المقاومة طرفاً في هذا التبريد، وهذا ما تفعله قوى إقليمية ودولية للالتفاف على المقاومة في محادثات القاهرة، كي لا يصنعوا من المقاومة ندّاً حقيقياً مع كيان الاحتلال، وكي لا يعملوا على تكريسها سبباً في إحياء الموات الفلسطيني!.