إنَّه زمنُ الإنتخابات الرئاسية، ولا إنتخابات رئاسية بل شغور.

إنَّه زمنُ الإنتخابات النيابية، ولا إنتخابات نيابية بل تمديد.

إنَّه زمنُ الحكومة الجديدة بعد الإنتخابات الرئاسية والنيابية، ولا حكومة جديدة بل إستمرارية للحكومة الحالية بفعل الأمر الواقع.

إنَّه زمنُ الإمتحانات الرسمية، ولا إمتحانات رسمية ولا شهادات بل إفادات للجميع من دون إستثناء.

***

ذلك هو حالُ بلدنا من دون زيادةٍ أو نقصان.

مُكابرٌ مضنٍ يدفنُ رأسه في الرمال ليقولَ إنَّ الدنيا بألف خير. إنَّها ليست بخير على الإطلاق، لا في الداخل ولا في الخارج، والخطيرُ في الموضوع أنَّ الداخل بات مرتبطاً بتطورات الخارج، التي هي كبيرة وخطيرة وكلّ يومٍ تحملُ تطوراً أخطر من الذي سبقه.

***

فليس لبنان وحده بل العالم بأكمله، يتابعُ بقلق ما يجري في العراق من تمدُّدٍ لتنظيم داعش، الذي هدّد بالإقتراب من كردستان وعاصمتها أربيل. لكن يبدو أنَّ واشنطن التي تضع مصالحها فوق كلِّ إعتبار، إتخذت قراراً بمنع سقوط أربيل فدعمت القوات الكردية التي يُطلَق عليها إسم قوات البشمركة، وباشرت بشنِّ هجماتٍ جوية على قوات تنظيم داعش، وهذا الدعم جعل القوات البشمركية تُعيدُ السيطرة على سدِّ الموصل العملاق، الذي كان استولى عليه تنظيم الدولة الإسلامية قبل عشرة أيام.

هذا التحوُّل في سير المعارك، من شأنه أن يُعطي أملاً بالبدء بوضع حدٍّ لإستمرار تمدُّد تنظيم داعش، الذي يتأكَّدُ يوماً بعد يوم مدى خطورته في المنطقة لا بل في العالم.

هذه الخطوة دفعت رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى أن يكتب مقالاً في الصنداي تلغراف، في موقعها الإلكتروني، ويُحدِّد فيه أنَّ الغرب متورطٌ في صراع ممتدٍ على مدار أجيال، ضد نوع من التطرّف الخطير الذي سيجلب الإرهاب إلى شوارع بريطانيا، إذا لم تُتَّخذ إجراءاتٌ عاجلة لدحره.

لم يكتفِ رئيس الدبلوماسية البريطانية بهذا التحذير، بل قال إنَّ الأمن لا يمكن أن يسود إلا إذا استخدمنا كل مواردنا:

من المساعدات إلى الدبلوماسية إلى القدرات العسكرية، وأنَّه يتعيَّنُ على بريطانيا أن تتعاون مع دول مثل السعودية وقطر ومصر وتركيا، وربما حتى مع إيران، من أجل التصدّي لتنظيم داعش.

***

إذاً ليس هناك إثنان يختلفان على خطورة هذا التنظيم، وإنَّ كلَّ الجهود بدأت تنصب لوضعِ حدٍّ لخطورته، وكلٌّ في نطاق سلطته.

تندرج في هذا السياق، الزيارة التي سيقوم بها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى العراق مع وفد من بطاركة السريان والكلدان، غداً وليومٍ واحدٍ فقط، والتي يسبقه إليها اليوم وفدٌ إعلامي. الزيارةُ تحمل في طيَّاتها معاني كبيرة، لأنَّها تختزن الدعم اللبنانيّ عموماً، والمسيحيّ خصوصاً للعراقيين عموماً والمسيحيين في العراق خصوصاً، ولكلِّ الأقليات. وهكذا يؤكِّد البطريرك الراعي أنَّه يذهب إلى رعيته ولا ينتظرها أن تأتي إليه حيث سيقدم غبطة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المساعدات، وقد يلتقي مسعود البارازاني رئيس إقليم كردستان. هكذا يفعل منذ تسلمه سدة البطريركية سواء في الداخل أو في الخارج.

***

إذاً، وسط كلِّ هذه الأعاصير، ماذا على اللبنانيّ أن يفعل؟

إنَّه الإنتظار الصعب والترقُّب الأصعب، ففي موازاة ما يجري في العراق، هناك المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران التي يبدو أنَّها لم تعد تقتصر على الملف النووي، بل أصبحت تشمل كلَّ شؤون المنطقة وغير المنطقة، من أزمات العراق ولبنان وسورية وصولاً إلى أفغانستان:

نحن، في إختصار، إما على أبواب تسويةٍ كبرى، وإما على أبواب حروبٍ متنقِّلة، والإحتمالان واردان بِنِسَبٍ متقاربة.