أعتق انتهاء مدة الولاية الرئيس السابق ميشال سليمان من عبء تغليف مواقفه بالدبلوماسية التي يمليها المنصب، كما تمليها طموحات التمديد والتجديد. بات الرجل قادراً على الجهر بمكنوناته، وإن كان لم يقصّر في آخر أيامه البعبداوية في إفراغ ما في صدره، من خطاب الذهب والخشب إلى رفعه شعار «عاشت المملكة العربية السعودية».

المملكة، والحق يقال، تكنّ لسليمان ودّاً يدغدغ أحلامه السياسية. يتصل مليكها به، وهو غير ذي صفة، ليعزّيه بشهداء الجيش في معركة عرسال. وتتزاحم صحفها لإجراء مقابلات مع «الرئيس الدائم» الذي يصعب على الداخل إلى دارته في اليرزة «التمييز بينها وبين قصر الرئاسة في بعبدا، لناحية نوعية الزوار، ونشاطه الاستثنائي» على ما ذكرت صحيفة «اليوم» السعودية في لقاء أجرته معه أخيراً. وهو، من جهته، يبادل ودّ خادم الحرمين الشريفين، «المعروف بمحبته للشعب اللبناني»، بودّ أكبر يبدو معه تزوير الوقائع أسهل من تزوير جوازات السفر. ومن هذا التزوير ما أكّده «الرئيس الدائم» في سياق ثنائه على مبادرة المليار دولار «غير المسبوقة»، من أنه «لم يُعرض على الجيش أي هبة تسليح إيرانية طيلة فترة ولايتي كقائد للجيش ولا خلال ولايتي الرئاسية»، من دون أن يخبرنا ما إذا كان قد تجرّأ خلال سنوات حكمه العجاف على طلب مثل هذه الهبة، أو «أحرج» الايرانيين بلائحة باحتياجات الجيش.

في أيار من عام 2009، وهو من أعوام الولاية «الميمونة»، أكد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب ذكرى التحرير استعداد ايران لتسليح الجيش بالطائرات والصواريخ. بدقّته المعهودة، قال نصرالله يومها حرفياً: «لا أحد ينتظر أن تأتي ايران لتسليح الجيش. ولكن اي حكومة (لبنانية) تطلب ذلك، فإن ايران لن تبخل بتسليح الجيش بلا شروط».

طهران نفسها أعلنت، في آب 2010، عقب اشتباك العديسة، استعدادها لمساعدة الجيش «في اي مجال»، وكررت ذلك أثناء استقبالها الرئيس سعد الحريري في تشرين الأول 2010، كما لدى استقبالها وزير الدفاع اللبناني فايز غصن، في شباط 2012. وبات معروفاً أن «فخامته» أقام الدنيا ولم يقعدها، بطلب من «أصدقائه»، عندما علم أن الاتفاقات لمساعدة الجيش باتت جاهزة للتوقيع، ما أحرج غصن أمام مضيفيه الايرانيين، علماً أن تصريح سليمان يومها بأن «الحكومة ستضع خطة لتسليح الجيش بغض النظر عن مواقف بعض الدول»، لم يكن قد جفّ حبره بعد.

في بلاد الله الواسعة، يطوي النسيان المسؤولين السابقين بمجرد مغادرتهم مناصبهم، وقبل وقت طويل من إصابتهم بالخرف. في بلادنا الصغيرة، حيث الجميع يعرف الجميع، يصر هؤلاء على الحضور «الدائم» إلى ما شاء الله، تصريحاً وتلميحاً وتزويراً.