عندما أطلّ رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب ​وليد جنبلاط​ على بنشعي، إستعاد محطات عدة في علاقة المختارة بآل فرنجية. تذكر يوم ناضل "التقدمي" إلى جانب "المردة" في "جبهة الخلاص". قبلها بسنوات كان والده الشهيد كمال جنبلاط إنحاز الى جانب ​سليمان فرنجية​ الجد في معركة الإنتخابات وصوّت له رئيساً للجمهورية. للمفارقة كان الأمير مجيد ارسلان يومها الى جانب خصوم فرنجية في السياسة والانتخابات.

أكثر من محطة تجمع العائلتين في النضال السياسي الوطني والخيار القومي العروبي في الزمن الصعب. لم ينسَها جنبلاط يوماً، لكن الظروف السياسية فرضت التباعد في محطات عدة، وخصوصاً إزاء العلاقات مع تيار "المستقبل" و دمشق.

أكثر ما يُسعد رئيس "التقدمي" في علاقات نجله تيمور السياسية هي الصداقة الحديثة النشأة مع نجل فرنجية طوني. هو أثنى على تلك العلاقة التي "تُكمل ما بناه الرئيس الراحل سليمان فرنجية والشهيد كمال جنبلاط". قيل أن الزعيم الإشتراكي شجّع الشابين على مزيد من التواصل وترسيخ العلاقة لتصب في مصلحتهما مستقبلاً.

المعروف عن ​طوني فرنجية​ إنفتاحه على القوى السياسية وإتقانه مبكراً لعبة التواصل المفتوح. هو كان نجح بمسعاه لإعادة العلاقة إلى طبيعتها بين والده ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون بعد فترة جفاء مرت به. يجري لقاءات بإستمرار مع المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري وزير المال علي حسن خليل. يبقى على تواصل دائم مع قيادات في "حزب الله".

تربط طوني فرنجية ببعض الإعلاميين علاقات ممتازة. يجدون فيه شخصية تفاعلية محببة. كوالده جريء وصريح وصادق. ينصت جيداً ولا يُحجم عن أي جواب أو نقاش مهما كان نوعه.

التواصل الذي يقيمه طوني فرنجية مع السياسيين والإعلاميين، يفتقد إليه ​تيمور جنبلاط​. قد يكون السبب خاصاً بالأخير أو بطلب والده، أو هو لم يستعجل بعد الإنفتاح الذي يمتاز به فرنجية، أو ربما بسبب طريقة عمل فريقه الحزبي.

هنا تبدو الصورة مغايرة لكل منهما عن والده: المعروف عن رئيس "اللقاء الديمقراطي" تواصله المباشر مع الصحافيين والإعلاميين. يرد "البيك" على إتصالاتهم الهاتفية، بينما لا تزال علاقات نجله تيمور محدودة. أما طوني فرنجية بعكس والده الذي كان سابقاً يُحجم عن التواصل، فهو يلتقي صحافيين وإعلاميين في جلسات شبه دورية ينسّقها المسؤول الإعلامي لتيار "المردة" المحامي سليمان فرنجية.

لا يبدو أنّ حدود العلاقة بين فرنجية وجنبلاط ستقتصر على محطة بنشعي. زيارة زعيم "المردة" للمختارة مستبعدة في الوقت الحالي بسبب موقف جنبلاط من الأزمة السورية. لكن تواصل تيمور وطوني قد يؤسس لتحالف جدّي مستقبلاً.

نجح رئيس "التقدمي" في إبعاد موقفه من دمشق عن علاقته المستحدثة مع بنشعي. هو قال خلال اللقاء أن الغرب لو صدق مع المعارضة السورية لكانت نجحت في خطواتها ومنعت وجود التطرف. ردّ عليه فرنجية بأنّ المسألة أبعد من قضية معارضة ونظام، والدليل ما يحدث الآن. قدم الطرفان وجهتي نظرهما بشيء من الود. إتفقا على أنّ الخلاف حول الأزمة السورية لا يُفسد في الود قضية.

في السنوات القليلة الماضية، جرت محاولات لرأب الصدع بين الفريقين. لم تنجح بسبب الظروف رغم زيارات وفود حزبية متبادلة بين بنشعي وكليمنصو، ومنها لشخصيات وزارية.

تربط المسؤولين الإعلاميين في الحزب "التقدمي" رامي الريس وفي تيار "المردة" المحامي سليمان فرنجية علاقة جيدة حاولا إستثمارها سابقا للتقريب بين الفريقين، لكن الظروف لم تسعفهما نتيجة إحتدام النزاع السياسي وتحديداً حول توصيف الأزمة السورية.

فماذا تغير الآن؟

عملياً قد يكون جنبلاط يرغب بتأمين "خط العودة" مستقبلاً الى حلف كان ابتعد عنه، بعد فشل الرهان على المعارضة السورية وتمدد التطرف وإمكانية خلط الأوراق السياسية الداخلية والإقليمية من جديد. هو أعاد بناء العلاقة مع "حزب الله" وتربطه صداقة سياسية متينة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. غازل الإيرانيين مرات عدة في الآونة الأخيرة وخصوصاً إزاء إشارته الى حرية الزرداشتيين في الجمهورية الإسلامية بعكس القتل والتهجير الذي يمارسه تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.

يقول مطلعون أنّ مواقفه الحادة تجاه النظام السوري تبقى للحفاظ على علاقته بالمملكة العربية السعودية ورئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري، ولاعتقاده بإمكانية المساومة على حُكم الرئيس السوري بشار الأسد كما حصل مع رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي.

لفرنجية مصلحة في العلاقة مع جنبلاط. هو يؤمّن بذلك كتلة "اللقاء الديمقراطي" إلى جانبه في حال ترشح رسمياً لرئاسة الجمهورية. يُدرك الجميع أن جنبلاط يفضّل رئيس "المردة" على عون ورئيس حزب "القوات" سمير جعجع ورئيس حزب "الكتائب" أمين الجميل.

حتى اللحظة يتمسك جنبلاط بترشيح النائب هنري حلو وفرنجية بتسمية عون، لكن في حال حصل تبدل سياسي ما حول الترشيحات، سيكسب رئيس "المردة" أصوات الأكثرية النيابية بضمان أصوات "اللقاء الديمقراطي" الى جانب حلفائه.

حضور كتلة "المستقبل" الى الجلسة يكفي حينها لتأمين نصاب ميثاقي للجلسة، حتى لو صوتت الكتلة مع باقي نواب "14 آذار".

من هنا تبدو أهمية العلاقة بين "المردة" و"التقدمي". هي ترسم خريطة سياسية جديدة في لبنان. الخيارات مفتوحة على كل الإتجاهات. من غير المستبعد ان يكون فرنجية الرئيس العتيد للجمهورية.