لا تبدو مهمة البطاركة الذين توجهوا الى العراق لتقديم الدعم للمسيحيين الذين اضطهدوا وهجروا في العراق على يد تنظيم الدولة الاسلامية وحضهم على بقائهم في ارضهم وعدم مغادرتها "مهما كلف الأمر" على حد ما قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مكتملة العناصر والقدرة. نقطة ضعف قوية جداً رافقتها مع تزامن الدعوة التي وجهت الى الشباب المسيحي في لبنان من أجل الانخراط في وظائف الدولة بما تعبر هذه النقطة عن عجز الكنيسة في لبنان في اقناع الشباب المسيحي بالبقاء في البلد والمشاركة في مؤسسات الدولة وعدم الهجرة. توقيت النداء على اهميته وضرورته بدا غير موفق مع توقيت الزيارة لهذه الجهة وان كان مضمونهما واحداً. ذلك انه اذا كان لا اطمئنان محتملا في لبنان على المصير والمستقبل ولا ثقة للمسيحيين ضمناً بقدرتهم على الايمان بلبنان والثقة بوجودهم فيه على رغم عدم امكان المقارنة بين الوضع فيه وبين ما واجهه المسيحيون في العراق أخيراً وما واجهه المسيحيون في سوريا منذ 2011، فمن الصعوبة بمكان تقديم حلول للعراقيين المسيحيين قائمة على ضرورة البقاء والصمود فحسب. ذلك ان الزيارات للمخيمات التي اقيمت لهم في اربيل وأماكن اللجوء في الكنائس وتقديم المعونات المادية او سواها يمكن ان يصلح لبعض الوقت في حين ان الاضرار الجسدية والنفسية والمعنوية ستجر بذيولها لعقود مقبلة من دون مساعدة تذكر خصوصا متى نسي العالم قضية النازحين العراقيين المسيحيين او من بقي منهم خصوصاً متى غدوا قلة قليلة. والمهمة صعبة وتقارب الاستحالة في ظل عدم توقع نهوض الدولة في العراق قريباً او الدولة في سوريا أيضاً.

على رغم أهمية الخطوة التي قام بها البطاركة ان لجهة معناها في تضافر جهود الكنائس المسيحية لتقديم الدعم او مغزاها السياسي من حيث تشكيلها قوّة ضغط محتملة على القوى الاقليمية والدولية من أجل مد يد المساعدة على مختلف المستويات، فان الاهم، وبعيداً من المشاعر او العواطف او حتى المبادىء التي تفرض التشبث بالارض وعدم التخلي عنها مهما بلغت الاثمان، هو ان تتبين الكنائس المعنية ابعاد ما يجري في المنطقة. فبمقدار ما ليس مطلوبا من المسيحيين الاستسلام بسهولة أمام المخاوف والمسارعة الى الهجرة فحسب على رغم ان هناك آراء مختلفة من بينها تلك التي ترى ضرورة استيعاب المسيحيين في الغرب على قاعدة " عاجلاً ام آجلاً" كما هي حال الاستنزاف المسيحي الحاصل في لبنان، فان الافق لا يبدو مشجعاً استناداً الى خط بياني تراجعي للوجود المسيحي في المنطقة لم يستطع الكرسي الرسولي خلال عقدين على الاقل حتى الآن وقف تقدمه او معالجته. وما حصل في العراق أخيراً اعاد فتح جرح نازف أصلاً يحاول المعنيون من الفاتيكان الى كنائس المنطقة معالجته منذ زمن الحرب في لبنان على الأقل من دون نجاح كبير.

الاشكالية انه الى واجب الكنيسة ومسؤوليتها وحقها بالدور الذي تقوم به في العراق او سواه من دول المنطقة، ثمة اشكالية متعددة الوجه ينبغي أخذها في الاعتبار. من احد وجوهها انه حين تطرح فرنسا واوستراليا او سواهما من الدول الغربية استقبال عدد من اللاجئين العراقيين والسوريين المسيحيين في الغالب، فانما ذلك يترجم عدم وجود استعداد او ارادة دولية للانخراط دولياً في المنطقة من أجل الدفاع عن اقلية مسيحية مهددة ببقائها وتناقص وجودها خلال الاعوام الأخيرة. والانخراط الذي حصل حتى الآن هو لاهداف محددة نظراً الى ان امتداد تنظيم الدولة الاسلامية تخطى الحدود المتوقعة فيما يعتقد ان هذه الحدود لم يكن يفترض ان تتجاوز الى اربيل او تهدد بغداد مثلاً. كما ان هذا الانخراط في جانبه الانساني الذي تمثل في رمي المساعدات للاجئين في الجبال خشية الموت جوعاً وعطشاً من غير المحتمل ان يعيد النازحين الى ارضهم. وحين يطالب البطاركة بحماية دولية من مجلس الامن او سواه فانما يترجم ادراكاً الى ان ضمانات أقل من ذلك لن تبقي العراقيين في مناطقهم في حال كان مقرراً لهم تهجيرهم منها. ولذلك قد يتعين على الكنائس عدم الضغط من اجل البقاء "مهما كلف الأمر" لأن بيع الفتيات سبايا او تعريضهن لأنواع المذلة والاضطهاد أمر لا يمكن قبوله واعلان الرفض الكامل لهذا الواقع لا يلغيه او يخفف من وطأة المأساة. ومن هنا وجوب ان تقارب الكنيسة الشرقية المعنية أساساً بما يجري الاحتمالات التي تذهب اليها المنطقة من تقسيم محتمل وذلك من خلال اتصالات ومساع مع دول مؤثرة وتتصرف مع المخاطر الاتية بناء على ذلك وليس بناء على رد فعل انفعالي رافض فحسب. ومن هذه الزاوية بالذات قد يكون ثمة حاجة الى مقاربة واقعية ومدروسة لاستيعاب اللاجئين المسيحيين.

والاشكالية الأخرى ان الخطوة الكنسية غير مواكبة سياسيا في العراق. وكما ان خطواتها من أجل تشجيع المسيحيين على البقاء والانخراط سياسياً او في مؤسسات الدولة في لبنان لا يواكب وفق ما يفترض في الاحزاب او التيارات السياسية بما يعطي آملاً وفرصة للشباب المستقل غير الحزبي والطامح ان يبقى ويستثمر قدراته في البلد، فان التوقعات بالنسبة الى الجهود في شأن المسيحيين في العراق ستكون ضئيلة جداً.