يلفت دبلوماسي غربي في بيروت إلى أن هناك دولاً غربية وعربية تعمل على تسويق "داعش" في المحافل الدولية، مشيراً إلى أن هذه الدول على اتصال وثيق بـ"داعش"، وتعمل على ترويضها بأن تبقى في إطار العمل المرسوم والمحدَّد لها، وأن تعلن حدود دولتها، وعدم التعرض لمصالح تلك الدول.

ويشير الدبلوماسي إلى غموض فاضح في قرار مجلس الأمن رقم 2170، وإن كان قد صدر تحت الفصل السابع؛ بشأن إدراج "داعش" و"جبهة النصرة" على لائحة الإرهاب، لافتاً إلى أن القرار أشار إلى لائحة من ستة إرهابيين متشددين ضمن القرار ليس بينهم زعيم "داعش".

الدبلوماسي الغربي الذي كان يتحدث مع مجموعة من الأصدقاء اللبنانيين في عشاء خاص بعيداً عن العمل الدبلوماسي و"إتيكاته" ومواقف دولته، يحلل القرار الدولي الجديد ليؤكد أنه يترك بين سطوره لواشنطن وأتباعها مجالاً لاستثمار "داعش".. وحين يستغرب الحضور هذا الاستنتاج، يقول الدبلوماسي: لاحظوا أن القرار 2170 لم يأتِ على ذكر أي عقوبات بحقّ مموّلي الإرهاب، فهل سمعتم كلمة عن السعودية أو قطر أو الأشخاص "المرموقين" من الأمراء والمسؤولين الخليجيين الذين وفّروا كل أسباب الدعم المالي والبشري للمجموعات الإرهابية المسلحة؟ وهل لاحظتم توجيه أي تنبيه أو تحذير لتركيا التي تحتضن المسلحين الإرهابيين، وتوفّر لهم معسكرات التدريب والإعداد لتصديرهم إلى سورية أو العراق أو حتى إلى لبنان؟ ثم ماذا عن الأردن الذي كان يحضَّر فيه مشروع خطير لاجتياح جنوب سورية، وقد شارك في التخطيط لهذا المشروع مسؤولون كبار من "C.I.A"، والدولة العبرية، ووفّرت له السعودية التمويل المالي المذهل، ليتكامل هذا الاجتياح الإرهابي مع سيطرة المسلحين على القلمون وريف دمشق امتداداً حتى ريف حمص، لكن حسم الجيش السوري وحزب الله في القلمون والقصير، والضربات القوية المتلاحقة التي وجّهها الجيش السوري للإرهابيين في الجنوب السوري، وتحديداً في مناطق درعا والجولان حيث أُحبط هذا المشروع..؟

ويسأل الدبلوماسي جلساءه: هل تعتقدون أن معركة عرسال الأخيرة كانت بريئة؟

ويعود هنا عدة أسابيع إلى الوراء، حينما سيطر المسلحون الإرهابيون على منطقة كسب، فيشير إلى أن الهدف الأساسي لهؤلاء المسلحين كان إيجاد منفذ بحري لهم، وحينما تمكّن الجيش السوري من استعادة السيطرة على تلك المنطقة، ووجّه ضربة قاتلة في صميم المشروع، كانت الخطة البديلة باستهداف منطقة عرسال في البقاع الشمالي، والتي كان يحضَّر لها بدقة متناهية من أجل إنجاز اجتياحها، وخلق فتنة كبرى؛ باعتداءات إجرامية كبرى على محيط عرسال، وتحرُّك واسع في الشمال اللبناني.

ويربط الرجل عدة تحركات جرت في الساعات الأولى من معركة عرسال، كأنه يجمع قطع "البازل" على الشكل الآتي:

1- لاحظوا خطة قطع الطرق تحت ذريعة التضامن مع عرسال التي كان أهلها يهربون من داخل بلدتهم بسبب الأعمال الإجرامية، وحينما لاحظوا أن النزوح واسع نحو القرى المجاورة، منع الإرهابيون نزوح الأهالي بالقوة.. ويشير إلى أنه في نفس اللحظة تمّ قطع طرقات الأوتستراد الجنوبي، وقطع طريق البقاع عند منقطة سعدنايل باتجاه زحلة والبقاع الشمالي، وقطع طريق المصنع باتجاه سورية، وقطع طرقات في بيروت، وطريق طرابلس - عكار، لإلهاء الجيش بمعارك صغيرة ومنع نقل التعزيزات العسكرية إلى قوات الجيش اللبناني المقاتلة في عرسال ومنطقتها.

2- في اليوم الأول من استهداف الجيش اللبناني في عرسال، ثمة ثلاثة نواب من الشمال توحّدوا في مؤتمر للهجوم على الجيش بلبوس طائفي ومذهبي، وهذه الحركة بالتأكيد ليست من عندياتهم، بل كانت في إطار خطة أوسع لو قُيِّض لها أن ترى النور، لكن بسالة الجيش والموقف التضامني الواسع من اللبنانيين مع الجيش جعلاها حركة يتيمة..

3- الكثير من الأسئلة تُطرح حول خطف العسكريين اللبنانيين في عرسال، وكيف كانوا محتجزين عند "أبو طاقية" وكيف تم إخراجهم إلى الجرود.. ويلفت هنا إلى ملاحظة هامة؛ أن "داعش" و"النصرة" اللذين لا يمكن أن تجمعها أرض واحدة إلا ويصير الدم بينها لـ"الركب" توحّدا في عرسال ضد الجيش، ما يعني وجود اتفاق سعودي - قطري - تركي - أميركي، ليطرح علامات استفهام إضافية حول ما يقال إن قسماً من المخطوفين العسكريين مع "النصرة" وقسماً آخر مع "داعش".

وهنا يخلص إلى نتيجة أن الهدف الأساسي لهؤلاء الإرهابيين كان خطيراً، وهو الامتداد من القلمون إلى البقاع الشمالي إلى عكار إلى البحر، وبالتالي توفير منفذ بحري لهم يمتدون منه نحو دول حوض المتوسط، بما فيها الدول الغربية، التي أحسّت لحظة ئذ بالخطر الشديد.

ويعود الدبلوماسي الغربي إلى القرار 2170، شارحاً كيفية استثمار الغرب لـ"داعش"، فيلفت إلى أمرين يصفهما بالخطيرين:

أولاً: ثمة اندفاع أميركي وغربي لتمويل الأكراد بذريعة تمكينهم من مواجهة "داعش"، بينما هي في حقيقتها عملية لتمكين دولة مسعود البرزاني وتوفير الفرصة لقيام كردستان الكبرى، ما يعني أن واشنطن خلقت كياناً جديداً في المنطقة عام 2014 سيُسهم في مزيد من تفتيت المنطقة، كما أسهمت لندن عام 1948 بخلق الكيان الصهيوني في فلسطين الذي أسهم في تكريس وتفتيت المنطقة، ما يعني خلق واقع أمر استعماري جديد.

ثانياً: أعاد إلى الذاكرة موقف وزيري الخارجية والداخلية الفرنسيين مع اجتياح "داعش" للموصل؛ بدعوة المسيحيين العراقيين للهجرة إلى فرنسا، معتبراً أن ذلك ليس رحمة بالمسيحيين، بل خطة لها هدفها الواضح.

فهل من يستوعب؟