لم يكد الجيش السوري ينهي تحرير المليحة (البلدة الاستراتيجية في الغوطة الشرقية) من الجماعات المسلحة، مستمراً بعملياته العسكرية في أكثر من جبهة سورية، حتى أُضيفت إلى المشهد الميداني إنجازات خرقت تحصينات مقاتلي "داعش" في مدينة الرقة بالشمال، تمثّلت بالضربات الجوية المكثَّفة التي نفّذها الطيران الحربي السوري على مواقع هامة يشغلها التنظيم المتشدد، في ظل تسرُّب معلومات عن أكثر من جهاز استخباري إقليمي تشير إلى استحداث غرفة عمليات مؤخراً على أيدي ضباط من "الموساد الإسرائيلي"، بمشاركة الاستخبارات الأردنية والأميركية في منطقة "ضبعة" الأردنية على مقربة من مطار علياء الدولي، بدأت بعمليات تسليح وتدريب لمئات المقاتلين، بمواكبة عمليات مماثلة في مدينة الزرقاء، تحديداً في مخيم "شنلر" للاجئين الفلسطينيين، حيث يتمّ تجنيد المئات من شبابه في صفوف مقاتلي "داعش"، رجّحت المعلومات أن تكون وجهتهم بعد إنهاء عمليات تدريبهم باتجاه شرق وشمال سورية، القادم على "خروقات هامة" لدفاعاتهم في جبهات كبرى استراتيجية - حسب إشارة تقارير أمنية مواكبة - انطلاقاً من دير الزور وريفها، وصولاً إلى الشمال، الرقة تحديداً.

وفي وقت توقّف محللون عسكريون أمام الغارات المكثفة - وعلى يومين متتاليين - التي شنّها الطيران الحربي السوري ضد مواقع هامة يشغلها مقاتلو "داعش" في الرقة، بينها مبنى البريد والهيئة المركزية ومبنى الأمن السياسي، متوَّجة بتدمير ما يسمى "سفارة ولاية حلب" وسحق العشرات من المقاتلين، بينهم قياديون ميدانيون، اعتبرت محطة "سكاي نيوز" أن تلك الغارات قد تكون باكورة عملية عسكرية هامة ستقوم بها القيادة العسكرية السورية ضد تنظيم "داعش" في "أكثر الجبهات السورية صعوبة"، وفق توصيفها، مشيرة إلى تزامنها مع عمليات تصفيات ممنهجة تطال قياديين بارزين في التنظيم في كل من العراق وسورية على أيدي جيشي البلدين. وحسب مراسل المحطة فإن قيادة "داعش" تلقّت في غضون أيام قليلة ضربات موجعة عبر تصفية قياديين مساعدين للبغدادي، بدءاً من المدعو "أبو حمزة الأنصاري"، مروراً بـ"أبي محمد العدناني" مع 11 من معاونيه، وخبير التصنيع العسكري بالتنظيم والقيادي "أبو عزام القندهاري"، وصولاً إلى تصفية المدعو "أبو أنس الجولاني" المصنَّف أحد أبرز المساعدين المقرّبين للبغدادي، مع 16 من معاونيه، ووفق معلومات أمنية فإن عمليات تصقية قادة بارزين مساعدين لأمير التنظيم، والتي تأتي نتيجة تعاون استخباري وثيق بين الجيشين السوري والعراقي، بمؤازرة خبراء عسكريين روس وإيرانيين، ستزداد وتيرتها بالمرحلة اللاحقة على وقع تكثيف الضربات الجوية السورية ضد تحصينات "داعش" في الرقة ودير الزور وريفها، تزامنا مع ضربات المقاتلات العراقية لمواقعهم التي احتلوها خلال "غزواتهم" الأخيرة، بهدف خلخلة أعمدة تنظيمهم.

وربطاً بالأمر، أشارت صحيفة "تايمز" البريطانية، نقلاً عن تقارير ميدانية، إلى أن دفاعات "داعش" شرق وشمال سورية باتت مخترَقة بشكل كبير من قبَل الاستخبارات السورية، مشيرة إلى "تعاون أمني هام" لضباط انشقّوا سابقاً عن الجيش السوري وعادوا إلى صفوفه سراً، ولعشرات المواطنين القاطنين في مناطق نفوذ التنظيم مع أجهزة الأمن السورية، وتزويدها بمعلومات عن تمركز وتحرك مقاتليه، بموازاة ما كشفته صحيفة "اندبندنت" من أن القيادة العسكرية السورية أنجزت عملية نقل لواء يشمل عشرات الدبابات المتطورة من طراز "T82" الروسية بكامل طواقمها باتجاه محافظة دير الزور، مُرفَقة بصواريخ وصفتها بـ"الهامة جداً" دون تحديد ماهيتها، على أن تلتحق بها دبابات روسية حديثة من طراز "T90". وإذ أشارت إلى أن دبابات "T82" تمّ تزويدها بدروع حامية ضد استهدافها بقذائف صاروخية وتسليحها بمدفع يستطيع إطلاق صواريخ موجَّهة يصل مداها إلى 5000 متر، اعتبرت الصحيفة أن انتفاضة العشائر في دير الزور على مقاتلي "داعش" وما أتبعها من مجازر ارتكبها هؤلاء بحق المئات من عشيرة "الشعيطات"، ما هي إلا دق جرس إنذار لما ستحمله المرحلة المقبلة من مواجهات دموية سيكون لها تداعيات كبيرة على باقي المحافظات الأخرى في الشمال السوري، خصوصاً بعد رصد توجُّه المئات من العشائر الأخرى باتجاه مراكز تدريب للجيش السوري، من دون إغفال انضواء العشرات من الشبان اليزيديين الذين تمّ التنكيل بعائلاتهم في جبال سنجار على أيدي مقاتلي "داعش"، في معسكرات تدريب كردية في الحسكة، تحضُّراً للمواجهات المقبلة.

وفي المحصلة، وعلى وقع استعادة قوات البشمركة الكردية السيطرة على سد الموصل في العراق، ودحر مقاتلي "داعش" عنه، في ظل إشارة أكثر من مصدر أمني عراقي إلى اقتراب تنفيذ عملية عسكرية كبرى لاستعادة مدينة الموصل، بالتزامن مع المستجدات الميدانية المقبلة على جبهات الرقة، ودير الزور تحديداً، سيكون على "أمراء الخلافة الإسلامية" المزعومة التحضُّر لمرحلة جديدة مختلفة، خصوصاً إذا سلّمنا بمعلومات أكثر من مصدر إقليمي تحدثت عن صفقة إقليمية على حساب "داعش"، إحدى خيوطها "ثمن" إقصاء المالكي في العراق، قابله تعهُّد سعودي بإيقاف تمويل وتسويق نفط التنظيم من قبَل شركة "أرامكو" السعودية النفطية، مُرفقاً بكلام للرئيس بشارالأسد سرّبته شخصية عربية التقت به مؤخراً، مفاده: "لن أسمح بتقسيم سورية، والرقة ستعود إلى حضن الوطن، ونقطة على السطر".