ما الذي جعل «التيار الوطني الحر» يرفع الصوت الى درجة «دق النفير»؟ وما هي اسباب وخلفيات ما خرج به تكتل التغيير والاصلاح من نداء يرتقي الى مستوى التحذير والانذار؟

الخصوم يعتبرون ان ما صدر عن «التيار يندرج في اطار ممارسة اقصى درجات الضغط في سياق معركة رئاسة الجمهورية بعد ان فشل اسلوب التفاوض المباشر مع تيار «المستقبل» واخذت حظوظ العماد ميشال عون تتراجع في الوصول الى قصر بعبدا!

ويذهب البعض الى اتهام التيار العوني بانه يسعى الى المزايدة على البطريرك الراعي في زيارته التفقدية والرعوية والتضامنية مع مسيحيي العراق، ويقلل هؤلاء من اهمية هذا الموقف مكررين القول بان التيار الوطني الحر «ليس الناطق الرسمي الوحيد باسم المسيحيين في لبنان، ولا يجوز ان يحتكر صوتهم في كل الاوقات والمراحل تحت اي ذريعة».

لكن اوساط العماد عون تنظر الى مثل هذه التعليقات من البعض بشيء من الاستخفاف والسخرية، مشيرة الى ان هؤلاء اما انهم لا يدركون حجم الخطر الذي يهدد المسيحيين في لبنان والمنطقة، او ان غشاوة مصالحهم الشخصية قد اعمت بصرهم وبصيرتهم، فباتوا مجرد اصوات نشاز لا اكثر ولا اقل.

ويقول مصدر بارز في «التيار الوطني الحر» نحن لسنا بصدد الرد على مثل هذه الترهات وان المرحلة تستدعي من الجميع ان يرتقوا الى مستوى المسؤولية لمواجهة الخطر الداهم على اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا.

ويسأل «هل يوجد عاقل واحد لا يدرك حجم الخطر الكبير الذي يهدد وجود المسيحيين في المنطقة؟ لا بل ان التطورات والاحداث المتلاحقة في العراق تؤكد ان التدخل الاميركي الاخير حتى الان يقتصر على وقف المد «الداعشي» عند حدود كردستان، ولكن ماذا عن الموصل وما لحق ويلحق بالمسيحيين في العراق من قتل وتشريد ومحاولة اجتثاثهم من ارضهم وقراهم وبلداتهم؟

ثم ماذا عن المسيحيين في سوريا وما تعرضوا ويتعرضون له على يد هذه الجماعات الارهابية المتطرفية التي تستمر بحربها الاجرامية على قراهم وبلداتهم؟ بل اين هي الاصوات التي ارتفعت وترتفع في وجه هذه الحملة الدموية ضد المسيحيين وباقي الاقليات؟»

ويسأل المصدر العوني «هل يستطيع احد من الذين ينتقدون نداءنا ان يتجاهل وصول المد الداعشي الى عرسال ومناطق لبنانية اخرى، والتهديد الحقيقي الذي يتعرض له لبنان واللبنانيون بما في ذلك المسيحيين؟ الم يقره مجلس الوزراء ويعلن حجم هذا الخطر في جلسة مناقشة الوضع بعد احداث عرسال؟»

وبرأي المصدر نفسه «ان هذه التطورات التي تعصف في المنطقة وما تعرض ويتعرض له المسيحيون جعلتهم غير موجودين في حسابات التوازنات الكبرى، وان من واجب كل مسيحي بل وكل لبناني ان يقر بهذه الحقيقة التي لا يمكن ان تطمسها بعض الاصوات والاقلام الرخيصة».

وفي معرض التحذير من حجم الخطر الداعشي يقول المصدر ان هذا المد الخطير يأخذ ابعاده بشكل مضطرد، اذ باتت امارة هذا التنظيم تمتد على مساحة شاسعة فيها اكثر من عشرة ملايين نسمة. «فهل كل هذا الواقع لا يستأهل رفع الصرخة والصوت لكي يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته على مستوى المنطقة وان يتعامل اللبنانيون بمسؤولية حيال الملفات والاستحقاقات المطروحة انطلاقا من التوازن والمساواة الحقيقية؟»

فعلى المستوى اللبناني، يضيف المصدر العوني ان ترجمة المطالبة والتأكيد على الوحدة الوطنية يفترض ان تترجم لا سيما في ملفين اساسيين:

1- ملف تكوين السلطة الذي يندرج في اطاره ترجمة المناصفة، واقرار قانون انتخابات يضمن العدالة والتمثيل على مستوى الوطن والطوائف، واجراء الانتخابات النيابية.

2- ملف الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للبلاد يملك التمثيل الحقيقي للمسيحيين. فهذا البلد هو البلد الوحيد في الشرق الاوسط الذي يرأسه مسيحي فهل يجوز ان نفرط بتمثيله؟ لقد ازال اتفاق الطائف «الدسم» من رئاسة الجمهورية واخذ العديد من صلاحيات رئاسة الجمهورية فهل يجوز ايضا ان نزيل الباقي من خلال منع المسيحيين في اختيار رئيسهم والمجيء برئيس عن طريق الطوائف الاخرى؟ هل يجوز ان لا يكون للمسيحيين الكلمة الاساس في اختيار رئيس الجمهورية اسوة بباقي الطوائف بالنسبة لرئاسة المجلس ولرئاسة الحكومة؟ الم تقم القيامة ولم تقعد على مستوى الطائفة السنية عندما جرى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة السابقة حتى استقال في نهاية المطاف؟

ويسأل المصدر «لماذا يراد ان تكون رئاسة الجمهورية مشاعا يشارك الجميع في الاختيار الا المسيحيين؟ من هذه الخلفية ننطلق اليوم لنقول انه لا يجوز ان نكمل على هذا المنوال في شأن الوضع العام وفي الاستحقاقات المطروحة وفي مقدمها انتخابات الرئاسة، ومن هذا المنطلق ايضا كان تقديم اقتراح قانون تعديل الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب على مرحلتين الاولى من المسيحيين والثانية من اللبنانيين للمشاركة على مستوى الوطن. وكما قلنا في السابق فاننا لن نقبل ان يفرض على المسيحيين رئيس لا يمثل المسيحيين، فنحن الكتلة المسيحية النيابية الاكبر في المجلس وقد فزنا باكثر من نصف اصوات المسيحيين في الانتخابات وقبلها باكثر من سبعين في المئة.

لماذا اطلاق هذه الصرخة وهذا التحذير اليوم؟

يجيب المصدر البارز في «التيار الوطني الحر» بكل بساطة اننا اولا نوصف الوقع والخطر الذي يهدد المسيحيين، ونريد ان نقول للجميع انتبهوا ولا تتعاملوا مع هذا الملف بشكل خاطئ.

ويؤكد بان هناك «مواقف وخطوات اخرى من التكتل على الطريق لن نكشف عنها في الوقت الحاضر وما صدر على لسان الوزير جبران باسيل باسم التكتل اول امس لن يكون خطوة في فراغ، بل نحن جديون في موقفنا وذاهبون في هذا الاتجاه حتى النهاية.