- النقاشات التي تشهدها الساحة السياسية والمنابر الإعلامية، حول مستقبل حرب غزة، تجمع على الانطلاق من أنّ مراوحة المفاوضات في مكانها تعبّر عن مأزق مزدوج، فمن جهة عندما رفضت فصائل المقاومة التهدئة وفقاً لمضمون الدعوة المصرية لوقف القتال، بلا أيّ التزامات سوى الدخول في التفاوض غير المباشر حول شروط وقف دائم للقتال وإطلاق النار، ووضعت شرطاً رئيسياً عنوانه فك الحصار، صارت مسؤولة عن كلّ الدماء التي سقطت بعد ذلك التاريخ إذا تخلّت عن هذا السقف، وبالمقابل فالحكومة «الإسرائيلية» تبدو بوضوح عاجزة عن تحمّل تبعات التسليم بفك الحصار، لما يحمله من رمزية الهزيمة «الإسرائيلية» بصورة فاضحة، وبالمقابل عاجزة عن المضيّ في الحرب حتى تغيير موازين القوى والخروج بحفظ ماء الوجه إنْ كان الانتصار فوق طاقة جيشها.

- «إسرائيل» التي يتحدث المحللون والعقول المفكرة فيها عن مأزق عسكري أكبر من قدرة الحكومة وقادة الجيش على حلّها، بعد أن بان الحديث عن استيعاب دروس حرب تموز التي خرجت «إسرائيل» منها بهزيمة مدوية، وأمضت ثماني سنوات من الإعداد والتحضير لتجاوز ما كشفته تقارير تحقيقاتها كنقاط ضعف تسبّبت بالهزيمة، كحديث هزلي لا مكان له بين الحقائق، فالقبة الحديدية التي تحدّث عنها «الإسرائيليون» كعبقرية استثنائية لردع الصواريخ ومنعها من الوصول لنقاط حساسة، تبيّن أنها فاشلة بنسبة تتعدّى الـ90 في المئة، والجيوش البرية أصيبت بنخبها المميّزة كلواء جولاني، بما جعلها موضع تندّر في حروب البرّ بعدما فقدت عنصر المبادرة.

- النقاشات «الإسرائيلية» تنطلق من التسليم بأنّ نتنياهو أدخل «إسرائيل» في حرب استنزاف، كما تجمع معاريف ويديعوت أحرونوت وهآرتس، والبحث يدور عن مخرج من حرب الاستنزاف هذه على رغم الكلام المرافق له عن الذهاب لحرب برية شاملة، فهو يسلّم بمتاعبها ومصاعبها، وربما استحالتها، ليندفع فوراً إلى أحد خيارين، الفراغ الحكومي على رغم مخاطره، أو القرار الأممي الذي يحتاج مناخاً ومبرّرات تتعدّى الإيقاع الحالي للحرب، فربما حرب برية وقصف وحشيّ يتعديان حدود المعقول لاستدراج هذا الحلّ الأممي، بقرار من مجلس الأمن، والصواريخ تتساقط على المدن والمنشآت «الإسرائيلية»، والدم الفلسطيني ينزف بغزارة بحيث لا يملك أحد في «إسرائيل» المزايدة لمنع القبول والالتزام، أو تصنيع متسارع لأحداث إقليمية بمستوى التمهيد لتدهور الوضع على الجبهة مع سورية أو لبنان، تنزلق أو تكاد إلى حرب، بما يبرّر التدخل الدولي العاجل والقبول على مستوى الرأي العام «الإسرائيلي».

- على ضفة المقاومة والقوى المساندة لها، لا يجري التهرّب من الاعتراف بمخاطر حرب الاستنزاف على المقاومة وشعبها، والبدائل المتاحة، وجاء بيان القسام عن الانتقال إلى حرب تحريرية في قلب هذه النقاشات، ويستمرّ النقاش بصيغة ماذا لو، فماذا لو قامت المقاومة بنقل مسرح الحرب إلى الخارج وضربت مصالح «إسرائيلية» في أوروبا أو أميركا؟ وماذا لو تمّ تنفيذ عمليات استشهادية نوعية في قلب فلسطين المحتلة خارج غزة؟ وماذا لو قامت المقاومة الفلسطينية بالعمل بواسطة صواريخ تستهدف العمق «الإسرائيلي» من جبهة سورية أو لبنان أو الأردن؟

- في سياق هذا النقاش، نسأل: أليس التغيير الجيوسياسي هو الذي يغيّر المعادلات، وينتج توازنات جديدة؟ فلماذا لا نقول ماذا لو عادت حماس إلى موقعها الطبيعي في حلف المقاومة؟ ماذا لو رأينا قادتها في سورية؟ كم من التغيير سيحدث وكم من الذعر سيصيب العدو وداعميه؟ ولتخفيف حجم الخطوة على قيادة حماس، ماذا لو رأينا خالد مشعل في بيروت مع السيّد حسن نصرالله؟ أليست رسالة نوعية متعدّدة الاتجاهات وتغييراً في قواعد الصراع مرة أخرى؟