في تمّوز الماضي، دارت أولى المعارك الجدّية والعنيفة بين ​الجيش السوري​ ومسلّحي تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي، وأسفرت عن خسارة الجيش موقعين عسكريّين في غاية الأهمّية، كانا تحت سيطرة وحدات نظاميّة من كل من "الفرقة 17" و"اللواء 93"(1). وفي الساعات القليلة الماضية، واصل مقاتلو "الدولة الإسلامية" هجماتهم العنيفة على مواقع الجيش السوري في محافظة الرقّة، ونجحوا باقتحام مساحات واسعة في محيط مطار الطبقة العسكري، آخر معاقل النظام المهمّة في المنطقة(2)، معتمدين أسلوبهم التقليدي الذي يتمثّل بمهاجمة حمايات أيّ موقع يستهدفونه بسيارات مفخّخة يقودها إنتحاريّون، قبل أن يُطلقوا هجومهم البرّي المباغت بأعداد كبيرة، وفي ظلّ تغطية مدفعية وصاروخية كثيفة، الأمر الذي أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف الجيش السوري، بينهم قائد مطار الطبقة العميد سرحان العلي، إضافة إلى العديد من القتلى في صفوف المهاجمين خاصة بعد تدخّل الطيران السوري لمؤازرة الوحدات البرّية.

وفي حال إنتهاء هذه المعركة التي بذل فيها الجيش السوري جهوداً كبيرة للدفاع عن مواقعه، بسقوط المطار كلياً، ستتوسّع سيطرة مسلّحي "الدولة الإسلامية" لتشمل كامل مساحة محافظة الرقّة في سوريا والتي تُشكّل وحدها نحو 10 % من المساحة الإجمالية لسوريا، بحيث ستصبح المناطق الواقعة في الشرق السوري خارج سيطرة النظام كلياً. وفي حال نجاح مسلّحي التنظيم الإرهابي في إسقاط آخر معاقل الجيش السوري في محافظة الرقّة، سيصير بوسعهم التحرّك بحريّة أكبر بين مناطق سيطرتهم في كل من العراق وسوريا. كما سيتراجع خطر تعرّضهم لغارات جويّة خلال تحرّك قوافلهم، نتيجة فقدان النظام عندها عامل سرعة التدخّل بمجرّد كشف أي موكب مسلّح، لأنّ مطار الطبقة هو المطار العسكري الوحيد في محافظة الرقّة من أصل 24 مطاراً عسكرياً موزّعة على مختلف المحافظات السورية باستثناء محافظتي طرطوس ودرعا. كما سيتمّ التخلّص من مجموعة من مرابض المدفعيّة ومن راجمات الصواريخ التي كانت مُحصّنة في محيط المطار. وسيتعزّز التواصل الجغرافي بين المناطق الواقعة تحت سيطرة "المعارضات" السورية في شرق سوريا وشمالها، بعد أن كانت أماكن سيطرتهم مجرّد "جزر" معزولة جغرافياً بعضها عن بعض. أكثر من ذلك، إنّ مدينة الرقّة، عاصمة محافظة الرقّة، تُعتبر بمثابة "عاصمة" أساسيّة للدولة الإسلامية المزعومة. ويأمل مسلّحو "داعش" (بحسب التسمية السابقة)، أن تُشكّل سيطرتهم الكاملة على محافظة الرقّة، موطئ قدم صلب لهم، للتوسّع نحو أهداف أخرى، على غرار تجربة المعارضة الليبية التي إتخذت من مدينة بنغازي مقرّاً أساسياً لها إنطلقت منه لتسيطر على كامل الأراضي الليبيّة.

لكن في المقابل، أكّد مراقبون عسكريّون عدم إمكان حصول هذا الأمر كلياً، لأنّ محافظة الرقّة المُصنّفة ضمن المناطق النائية في سوريا حيث ترتفع نسبة الفقر والبطالة والأمّية، تبعد عن العاصمة دمشق نحو 375 كيلومتراً. وإذ لفتوا إلى أنّ دفاعات الجيش السوري في محافظة الرقّة كانت محاصرة، ولا تلقى أيّ دعم لوجستي إلا جوّاً، شدّدوا على أنّ معركة ​الرقة​ هي معركة معزولة عن باقي المعارك في سوريا، وتأثيرها يطال المنطقة الجغرافية المحيطة بها دون سواها. كما أشاروا إلى أنّ تشبيهها ببنغازي غير منطقي، مذكّرين بأنّ قوات الديكتاتور الليبي الراحل معمّر القذافي كادت تنجح بإقتحام معقل "الثّوار" في بنغازي، لولا تدخّل سلاح الجوّ الغربي الذي قلب موازين القوى في ليبيا. أمّا في سوريا، فالطيران المسيطر على الجوّ، هو طيران الجيش السوري، ومعارك الكرّ والفرّ متواصلة في أكثر من موقع، في حين بات التقسيم الميداني الذي فرضته أشهر وسنوات من المعارك المتواصلة واضحاً في مواقع أخرى. وبالتالي، إنّ تغيير موازين القوى على الأرض، غير مرتبط بمعركة هنا أو هناك، بل بعوامل أخرى أكثر تعقيداً بكثير.

ويمكن القول في الختام، إنّ تنظيم "الدولة الإسلامية"، وفي حال نجاحه بالسيطرة كلياً على مطار الطبقة في خلال الساعات أو الأيّام القليلة المقبلة – على أبعد تقدير، كما سرّب لوسائل إعلام مؤيّدة له، سيُوجّه ضربة موجعة جديدة للجيش السوري، علماً أنّ المعركة بينه وبين النظام السوري صارت مفتوحة على مصراعيها. فهل يكتفي بما حقّقه من تقدّم ميداني حتى الآن، أم يُحرّك قواته في إتجاه مناطق جديدة، مُستفيداً من إمتداد دعمه اللوجستي من الموصل والفلوجة والرمادي في العراق وصولاً إلى الرقّة في سوريا، علماً أنّ تقارير إعلامية متطابقة تحدّثت عن تحرّك مجموعات كبيرة من "المهاجرين"(3)من العراق إلى الداخل السوري في الأيام القليلة الماضية؟

(1)سقوط "اللواء 93" في بلدة عين عيسى في الريف الشمالي، شكّل ضربة موجعة للجيش السوري، خاصة وأنّ مسلّحي "الدولة الإسلامية" سيطروا على مركز ضخم لتخزين الأسلحة والعتاد في شرق سوريا.

(2)يبعد نحو 40 كلم. عن مدينة الرقّة التي كانت سقطت بيد المعارضة السورية في نيسان 2013.

(3)هي التسمية التي يُطلقها تنظيم "الدولة الإسلامية" على مقاتليه من غير السوريّين والعراقيّين، أي أولئك الذين توافدوا من باكستان وأفغانستان والشيشان ودول عربية وخليجية مختلفة.