ليس من الصعب أبداً على زائر عاصمة الشمال أن يكتشف كيف أنّ المدينة تعيش على فوهة بركان أمني قد ينفجر بين لحظةٍ وأخرى. فعلى رغم أن الحياة طبيعية في الشوارع، وحتى لو أن المحال التجارية وأسواق الخضار تفتح أبوابها بشكل يومي، تشهد ​طرابلس​ حالاً من الغليان على أكثر من محور. فالتوتر وصل الى ذروته خلال الأسابيع القليلة الماضية على محور وزير حالي ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. تارةً يقع إشكال على خلفية منع ركن سيارة على طريق الميناء بالقرب من منزل رئيس الحكومة السابق، وطورًا يقوم شبان بالإعتداء على مكتب لميقاتي فيتم توقيفهم على الفور.

محور أهالي ​قادة المحاور​ والموقوفين الآخرين-سياسيي المدينة، يغلي أيضاً. الأهالي عادوا الى نغمة التهديد بالعودة الى الشارع من جديد وقطع الطرقات إذا لم يف السياسيون والأمنيون بالوعود التي قطعوها معهم قبل بدء معركة عرسال. وعود تقضي بإطلاق سراح الموقوفين المتورطين بجولات القتال مع الجبل على دفعات. وما زاد الطين بلة على هذا المحور، المعلومات التي وصلت منذ يومين عن إتجاه لإخلاء سبيل سعد المصري، أبرز قادة المحاور في باب التبانة والمقرب من ميقاتي، وكيف أن الإفراج لم يتم نتيجة تدخل تيار سياسي بارز في اللحظات الأخيرة. وما يثير غضب الأهالي أكثر فأكثر كيف أن هذا التيار يخلي سبيل موقوفين مقربين اليه سياسياً ويترك خصومه داخل السجون، ومن بين هؤلاء المفرج عنهم "ح. غ." و"خ. ش." و"أ. ش." و"ف. د.". منذ أيام وصلت الرسالة الى أهل قائد محور البرانية زياد علوكي الموقوف في سجن رومية، "أكثر ما يعقد ملف زياد هو هجومه العنيف على رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​ عندما قرر "الشيخ سعد" دخول الحكومة مع حزب الله". رسالة كانت كافية لرفع منسوب الغضب لدى الأهل والأصدقاء.

أما محور الجيش-زعران الشوارع، فلا يشهد أبداً لحظةً من الهدوء. لا يمر أسبوع طرابلسي من دون إعتداء زعران الشوارع على حواجز الجيش ودورياته، حيناً برمي قنبلة يدوية عليه، وأحياناً بإطلاق الرصاص على حاجز. الدليل القاطع على التوتر القائم على هذا المحور، جهوزية الجيش الدائمة وكأن المدينة في حالة حرب لا سيما أيام الجمعة وتحديداً قبل وبعد صلاة الظهر. دوريات مؤللة في الشوارع، حواجز منتشرة ثابتة ومتنقلة، عسكريون بكامل عتادهم، وقطع للطرقات بالقرب من المساجد.

هذا المشهد المتوتر، يخرقه هدوء لافت على محور جبل محسن-باب التبانة. فابن التبانة يتجوّل في الجبل من دون خوف أو رعب، وأهالي جبل محسن ينزلون الى طرابلس لشراء حاجياتهم وهم على إطمئنان وثقة بأن ما من أحد سيطلق الرصاص على أرجلهم. كل ذلك فقط لأن رفعت وعلي عيد باتا خارج الجبل، ولأن سياسيي طرابلس رفعوا الغطاء عن قادة المحاور وأوقفوا مدّهم بالمال والسلاح. نعم ها هم الآباء يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون، وها هي الحقيقة تنكشف من دون أدنى شك: إذا أردتم أن تعرفوا من هو المسؤول الأول والأخير عن أي توتر أمني في طرابلس، إذهبوا الى بيوت السياسيين حصراً.