ما يثير قلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز أنّ استطلاعًا للرأي غير رسمي أشار إلى أن السعوديين يعتقدون في شكل ملحوظ أنّ "الدولة الإسلامية تتوافق مع قيم الإسلام والشريعة الإسلامية". وهذا الإستطلاع الذي أجري حديثا على مواقع الشبكات الإجتماعية جاء بعد إعلان تنظيم "داعش" عن إقامة "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" وانتشاره على الحدود السعودية العراقية.

القلق السعودي تمت ترجمته بسلسلة من الإجراءات التي استدعت تدخلا مباشرا وشخصيا من الملك عبد الله الذي تبرَّع في الأيام الأخيرة بمئة مليون دولار لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب. وكانت هبة المليار دولار للجيش اللبناني نوع من التعبير السياسي عن الخشية من "فلسفة الدولة الإسلامية" العابرة للحدود ولكونها تشكل تهديدا لاختراق النفوذ السياسي لدى الإعتدال السني. فإلى فترة قريبة كانت المملكة تتغاضى عن تمدد الفكر الإسلامي المتطرف في سوريا كونها كانت تعتبر أن ربح النظام السوري على المعارضة السورية هو في مثابة تهديد غير مباشر للسياسات السعودية التي كانت فكرة إسقاط النظام السوري على رأس أولوياتها. لكن أدركت المملكة العربية السعودية أن تلك السياسات أنعشت قوى التطرف الإسلامي ممثلة بفروع "القاعدة" و"داعش" و"النصرة" كما عززت من حضور الشباب السعودي في هذه التنظيمات بحيث تم في الآونة الأخيرة رصد تهافت عدد كبير من السعوديين على الإنضمام لـ"داعش" في العراق وسوريا.

وحقيقة الأمر أن الرياض كانت قد باشرت حملة إعلامية تحرِّم فيها دعم الجماعات المتطرفة عبر قانون أصدره الملك عبدالله في شهر شباط الفائت. وهذه الحملة جاءت في أعقاب ما اكتشفه العاهل السعودي من أن هناك مخططات إرهابية يُخَطَّط لها بالتعاون مع سعوديين ينتمون لـ"داعش". والملاحظ أن الملك عبد الله اكتشف بأن هناك رجال دين سعوديين في مواقع مؤثرة لم يدينوا أو يستنكروا العمل الإرهابي الذي قام به تنظيم القاعدة في الرابع من تموز في جنوب البلاد والذي أدّى إلى مقتل ضباط وجنود سعوديين.

واقع الأمر أن الملك عبدالله أدرك أن "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" تقصر مهامها على أمور شكلية ولا تقوم بدور فاعل في تنوير الرأي العام والشباب إلى أخطار الفكر الديني المتطرف كما لا تهتم باكتشاف من يروِّج لمثل هذا الفكر في الوسط الديني. وعلى ما يبدو أن العاهل السعودي يعوِّل حاليا على دور الإعلام والبرامج التليفزيونية للتنبيه من مخاطر التهديد الذي تمثله دولة "داعش".

ماذا يستنتج المراقب السياسي من كل ذلك؟

لا شك أن "القلق السعودي" من تنامي "داعش" وكثافة الحضور السعودي فيها استتبع إسقاط التحفظات السعودية على السياسة الأميركية باتجاه تفهمها والبناء عليها في رسم معالم النظام الاقليمي. وبالتالي فإن السياسة الأميركية التي تفترض نوعا من التعاون الدولي الاقليمي في مواجهة الإرهاب تعني في ما تعنيه إقامة توازن جديد تتراجع فيه حدة الخلافات بين طهران والرياض وتعاونا بين العاصمتين برعاية أميركية على ايجاد تسوية سياسية في سوريا والعراق على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب".هذا أولا. وثانيا انكفاء سعودي إلى داخل المملكة لمواجهة ما يخطط له "تنظيم القاعدة" وفروعه من أعمال إرهابية وما يفترض ذلك من إعادة نظر في المقاربة السعودية للملف السوري. ذلك أن الإنكفاء إلى الداخل يفترض تنسيقا استخباراتيا مع دمشق في كل ما له علاقة بالسعوديين الذين يقاتلون في سوريا.وثالثا مزيد من التعاون السعودي – الايراني في الموضوع اللبناني وما يفترضه ذلك من تعزيز فكرة الدولة وايجاد انفراج في العلاقات الشيعية – السنية وتوحيد الخطاب الديني المنفتح إزاء خطاب "داعش" و"النصرة" والذي يعتمد على فهم خاص للنص القرآني وللأحاديث النبوية. رابعا الضرورات السعودية تفترض تمييز "الوهابية الدينية" عن التطرف الديني الذي ترتكز إليه "داعش" و"النصرة" لجهة تكفير الآخر و"ذمية المسيحيين" ونظرية "الروافض". وهذا يفترض "تجديدا" للمصطلحات خصوصا وأن الغرب الأميركي والأوروبي يرى في "الوهابية" بيئة حاضنة لفكر "القاعدة" علما بأن "الوهابية" تعترف بالمذاهب الإسلامية الأربعة ولا تقدِّم نفسها بديلا عنها ولها. وخامسا يعرف الملك عبد الله أن إبعاد الشباب السعودي عن "داعش" و"النصرة" و"القاعدة" لا يكون إلا بمعالجة الأسباب التي تدفع هؤلاء نحو التطرف والناجم عن سوء أداء بعض المؤسسات الدينية وغياب ثقافة الإعتدال. ومن هذه الأسباب البطالة وغياب المشاركة السياسية وتهميش المرأة ما يعني ضرورة فتح منابر الحوار والنقاش الواسع.

أخيرا المعالجة ليست بسيطة ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر أن المواجهة مع "داعش" طويلة الأمد وتقتضي توفر عناصر جديدة منها سحب سياسات التحدي بين الأنظمة السياسية وبين المكونات الأساسية لبنية المجتمع العربي.. كما أنها تقتضي حكما إعادة فكرة العروبة الجامعة كجواب على ظاهرة التفتيت والهواجس والمخاوف الطوائفية التي رافقت ظهور التنظيمات الدينية المتطرفة... وفكرة العروبة تعني عودة معادلة القاهرة – الرياض – دمشق إلى الملعب العربي حيث هي الغائبة والمغيّبة.

* رئيس المجلس الوطني للإعلام