لم تعد ​الحكومة السورية​ في الموقف الضعيف على صعيد المعادلات الإقليمية والدولية. باتت اليوم تشعر بأنها الجانب القوي المطلوب التعاون معه في الحرب على الإرهاب، التي باتت تشغل صناع القرار على المستوى العالمي، وهي ترى أنّ أيّ محاولة لمكافحة هذه الظاهرة لا يمكن أن تتم من دون التنسيق الكامل معها، خصوصاً بعد أن راكمت قواتها على مدى أكثر ثلاث سنوات خبرات واسعة في هذا المجال.

منذ أن إختار تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، توسيع رقعة عملياته على الأراضي العراقية، بدا واضحاً أنه إرتكب "الخطأ القاتل" الذي سيضع محاربته على رأس قائمة الأهداف، لدى جهات متعددة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وكان إجتياحه الموصل نقطة التحول الرئيسية، حيث رأت الولايات المتحدة الأميركية أن ضرب التنظيم، الذي بات يهدد مصالحها في المنطقة، أصبح أولوية بعد أن تجاوز الإطار المرسوم له، ومن بعدها جاء القرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن الدولي.

في هذا السياق، تعتبر مصادر مطلعة أن وزير الخارجية السوري ​وليد المعلم​ حاول، من خلال مؤتمره الصحافي، أن يضع النقاط على الحروف، عبر التأكيد أن شن غارات على مواقع تنظيم "داعش" داخل الأراضي السورية لا يمكن أن يتم من دون تنسيق مع الحكومة السورية، وهذا أمر مفروغ منه، بالرغم من أن الكثيرين يعتبرون أن الدول الكبرى قادرة على القيام بذلك من دون هذا التنسيق، خصوصاً أنها لم تعد تعترف بشرعية النظام السوري، لاسيما أن هذه الدول لها مصلحة بالتعاون رغم "المعاندة" التي تبديها في المواقف المعلنة.

وتشير هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ الأجهزة الأمنية في أكثر من دولة إقليمية ودولية ترى أن التعاون مع السلطات السورية أمر لا غنى عنه في هذه المرحلة إذا كان المطلوب فعلياً شن حرب شاملة على التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وتلفت إلى أن هناك أكثر من تقرير أمني يتحدث عن ذلك بشكل واضح، وتذكر بالتعاون الكبير الذي كان قائماً قبل بدء الأحداث السورية في هذا المجال.

من وجهة نظر أحد الخبراء العسكريين اللبنانيين، التعاون سيتناول بشكل أساسي المعلومات الإستخبارية، بالإضافة إلى حتمية الإستفادة من القوات البرية السورية، حيث يرى أن الغارات الجوية التي تقوم بها الطائرات الأميركية، في هذه الآونة، والتي قد تنضم عليها دول أخرى في المستقبل القريب، لا تكفي وحدها من أجل القضاء على الخلايا الإرهابية المنتشرة بشكل كبير داخل المدن والقرى، والتي يمكنها التواري عن الأنظار، لا سيما أن لديها تكتيكات عسكرية مميزة في هذا المجال.

ويشير هذا الخبير، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن أياً من جيوش المنطقة ليس قادراً على التعامل مع هذه التنظيمات بالشكل المطلوب، ويلفت إلى أن تجربة الجيش العراقي خلال غزو الموصل من قبل تنظيم "داعش" كانت أكبر دليل على ذلك، ويستبعد إرسال الرئيس الأميركي باراك أوباما قوات برية إلى المنطقة من جديد، فهو كان يبحث عن أي وسيلة يضمن فيها الخروج من العراق، ويفضل التنسيق مع الجانب الإيراني من أجل ضمان خروج آمن من أفغانستان في نهاية العام الحالي، أما الدول الأوروبية فلا يمكن الرهان عليها في هذا المجال.

وأمام هذا الواقع، يعتبر الخبير العسكري اللبناني أن المعادلة واضحة، بحال كانت هناك رغبة دولية حقيقية بشن حرب على التنظيمات الإرهابية، لا يمكن تحقيق هذا الهدف من دون القيام بحملات برية تستهدف معاقل هذا التنظيم، ولا يمكن أن يتم ذلك من دون التنسيق مع الجانب السوري الذي أثبت نجاحه في هذا الأمر على أرض الميدان.

وعلى الرغم من وضوح هذه المعطيات التي بدأت تطرح نفسها كأمر واقع لا يمكن تجاوزه، يبقى السؤال عن الثمن السياسي المطلوب دفعه مقابل ذلك من قبل بعض الدول الغربية والإقليمية، خصوصاً أن الحكومة السورية من المستبعد أن تقدم هكذا خدمات من دون مقابل بعد أن أصبحت قواتها العسكرية من وجهة نظر الكثير من المتابعين رقماً صعباً في أي حرب إقليمية على الإرهاب.