وحدها تركيا لم تبد أي خوف حقيقي من تمدد تنظيم "داعش". في البداية توالت تصريحات وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو حول مخاطر الإرهاب على الحدود التركية-السورية. خفت حدة التصريحات فجأة في الأشهر الماضية بعد صعود نجم "داعش"، وظهرت أنقرة مطمئنة إلى تحييدها عن أي تمدد "داعشي".

ثمة علاقات تجارية علناً بين الأتراك والتنظيم الارهابي المذكور، ترتكز على تهريب المقاتلين على مدار الساعة لنفط دير الزور السوري نحو الأراضي التركية وبيعه بأقل من سعره الى عواصم أوروبية. تعيش المنطقة الحدودية التركية إزدهاراً إقتصادياً نتيجة تصدير تركيا كل السلع الإستهلاكية للتنظيم المتطرف في سوريا والعراق.

في السياسة تتفرج أنقره على إنشغال الأكراد بالدفاع عن مناطقهم ووجودهم في تلك الدول العربية. تراقب الإشتباكات في المناطق العراقية. ترصد قلق المملكة العربية السعودية من تمدد "داعش" نحو الأردن والكويت وصولا الى الرياض ومكة المكرمة. الأتراك يعلمون جيداً أنّ بيئة حاضنة لتنظيم "داعش" موجودة في دول الخليج لكنها معدومة في تركيا. هم إستفادوا من تدمير المدن والمصانع والحضارة في سوريا. لم تعد حلب تنافس الصناعات التركية. تصحّرت الرقة ودير الزور، وتحتاج حلب والشمال السوري الى سنوات طويلة لإستعادة النفس. لا مشكلة لديهم ان توسعت مساحة الأزمات والحروب والتدمير. أيقن الأتراك أن التضييق على الإيرانيين في سوريا سيجبر طهران على التقرب من تركيا. كل المستجدات تخدم القيادة التركية اليوم. فلماذا تُحارب "داعش" إذاً؟

لو شاءت تركيا محاصرة "الداعشيين" لأنجزت من خلال ذلك وحدها أكثر من نصف المعركة.

عندما تحدث وزير الخارجية السوري ​وليد المعلم​ عن جهوزية بلاده للتعاون والتنسيق الإقليمي والدولي كان يعني الغرب والسعوديين والمصريين لا الأتراك أو القطريين. إنطلق المعلم من التحالف القائم بين دمشق وطهران وموسكو ليعرض التعاون مع الآخرين. لم تمر ساعتان حتى جاء كلام نظيره الروسي سيرغي لافروف بدعوة الغرب والعرب لعدم المكابرة والتعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد في ضرب الإرهاب.

بالعادة أظهرت السنوات الثلاث الماضية إستعداد واشنطن الدائم للرد السلبي على أي طرح سوري. هذه المرة تأخرت الإدارة الأميركية قبل أن يأتي التعليق من البيت الأبيض بأن الرئيس باراك أوباما لم يتخذ قراراً بعد بشأن ضرب "داعش" في سوريا.

سبق ذلك حديث رئيس هيئة الأركان الاميركية عن توجه لاقامة حلف اقليمي ضد "داعش".

القنوات السرية كانت تشهد حراكاً مكثفاً على الخطوط الغربية بين عواصم أوروبية وواشنطن نتيجة القلق من تمدد "داعش" الى الساحات الغربية. هنا توالى الحديث الأميركي والفرنسي والبريطاني عن وجوب صدّ التطرف، وسط معلومات عن تواصل إستخباراتي خجول مع دمشق قامت به عواصم أوروبية.

منذ أشهر إشترطت الإستخبارات السورية أن تمرّ المعلومات التي ستقدمها للغرب عن الإرهاب عبر السفارات في دمشق. لم تكن تلك الدول جاهزة بعد. اليوم يضغط خطر التطرف ويحث على ضرورة إقامة التعاون.

أدركت دمشق ان العرب الذين خاصموها يتقاسمون القلق اليوم. وحش التطرف كبر ولم يعد بالإمكان ضبطه. من هنا جاءت زيارة الدبلوماسي الإيراني الرفيع حسين أمير عبداللهيان الى المملكة السعودية. أهمية الزيارة أنها تأتي خلال وجود وزراء الدول العربية الخمس في المملكة. لم يخرج اي كلام علني عن الإجتماع العربي، لكن ما يزيد في قلق العرب أكثر ان تنظيم "داعش" بات له مطارٌ مهمٌ كمطار الطبقة ومساحة شاسعة وثروات طبيعية تغني عن أي تمويل.

الصمت بين واشنطن والرياض يوحي أن ثمة صفقة تُصاغ تفاصيلها تتعلق أساساً في شأن تظهير تحالف دولي لضرب "داعش".

جاء تصريح الوزير السوري لإعلان الإستعداد والتأكيد بأن الغارات الأميركية أي التفرد لا يفي بالغرض. لا بد من حرب برية يضطلع بها الجيش السوري نتيجة التجربة والخبرة خلال سنوات مضت تتلاقى مع الضربات الجوية الأميركية.

بين العام الماضي والعام الجاري تحولات سريعة. كان حينها الأميركيون يستعدون لضرب "النظام" السوري تحت حجة الملف الكيميائي. اليوم يسعون لتعاون يستهدف الإرهابيين، ما يعني ان لا شيء مستبعداً في الحسابات والمصالح الدولية. كل السيناريوهات ممكنة تحت عنوان القضاء على الإرهاب. الحاجة العالمية لدور الجيش السوري تزداد. لا مكان للمعارضة في تلك الحسابات. لا وجود لـ"الجيش الحر" في الميدان. هل يتحدث أحد عنهما؟ لم تعد تذكر العواصم إسماً لضابط قيادي معارض ولا لإئتلاف او منشق لا بالجملة ولا بالمفرق. ولّى ذاك الزمن. ضاقت مساحة الخيارات. المعركة الآن بين تطرف يمثله "داعش" و"النصرة" من جهة والجيش السوري من جهة أخرى. لكن تلك المعركة طويلة بقواعد مختلفة لا يستطيع أحد التكهن بمسارها وتوقيتها.