هل صحيح أن التسوية الرئاسية قابلة للتمرير اليوم؟ وهل بمقدور ثلاثية وليد جنبلاط نبيه بري وحسن نصر الله غزل معالم الاستحقاق الرئاسي وحدها بمعزل عن اللاءات والتقاطعات الداخلية والتطورات الاقليمية؟ وما هي الخلفية الفعلية للمواقف الأخيرة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي؟

لتفسير ما يحصل، يعود وزير سابق سنوات الى الوراء ليشرح أن الحياة السياسية تدور دورتها، مع ما تحمله من تبدلات في المواقف والاصطفافات، وتبقى ثابتة العلاقة بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. فالرجلان اللذان تعارفا وتصادقا وتخاصما في فترات عدة، وتقاسما "مغانم" الحرب والسلم، يبقيان على خطوط التواصل مفتوحة بينهما في كل الظروف.

يتحدّث العارفون عن أن بري توسّط مرّة لدى جنبلاط في فترة الحرب لاطلاق سراح أحد المخطوفين، وان "ابو تيمور" تدخّل في احدى المرات لدى "ابو مصطفى" لتسهيل اخراج احدى الشخصيات المحاصرة في بيروت.

على ما يبدو، فإن مدة صلاحية ما كان ساري المفعول في السابق، لم تنته. واليوم، وعندما بدت كرة النار مشتعلة بين الضاحية الجنوبية والمختارة، فتحت عين التينة ابوابها امام زوار وليد بك لتذويب الجليد او تهدئة الخواطر، او تدارك الأسوأ. باختصار، هي الكيمياء المتوافرة بين بري وجنبلاط، والتي لا تحضر بين رئيس جبهة النضال الوطني والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مثلاً، والتي تفعل فعلها متى دعت الحاجة.

منذ أيام، كان جنبلاط في جولة في قضاء عاليه، في زيارة تزامن توقيتها بين خطر التكفير المستمر، وأزمة الرئاسة المتواصلة. كعادته، طبّق ابو تيمور المثل القائل "عم بحكي يا كنّة...لتسمع الجارة". فغمز من قناة الاستحقاق الرئاسي، متحدّثاً عن العمل على تسوية على صعيد هذا الملف، بالتعاون مع بري ونصر الله، وعينه في الواقع على هاجس آخر: داعش وأخواتها.

يقول المقربون من جنبلاط إنه يدرك أن عرسال يمكن أن تتكرر، وأن البقاع الغربي وراشيا، واقليم الخروب والساحل الشوفي، وحاصبيا والعمق الجنوبي، عرضة للاهتزازات الأمنية اذا ما استمر التعاطي الرسمي دون المستوى المطلوب، في لجم وتعقّب وملاحقة الخلايا النائمة، واذا ما بقيت نزعة اللعب على الوتر الطائفي مستعرة، ما يعني أن نرانها لن تتأخّر عندها في أن تلفح أبواب الحضور الدرزي.

هو الخط الأحمر بالنسبة الى جنبلاط. من هنا، ينقل زواره عنه هذه الأيام، أن هاجسه الأساس، كعادته اصلاً، يبقى حماية حضوره وطائفته. مع الحلقة الضيقة المحيطة به، فتّش عن الحلول، فادرك أن شبكة الأمان تتطلّب "افضل العلاقات" مع الجيران الشيعة اينما وجدوا. وفي هذا السياق، قادته قناة الاتصال المفتوحة مع عين التينة، الى تعبيد طريق اللقاء مع الأمين العام لحزب الله. تقول المعلومات أن جنبلاط خرج من لقاء نصر الله أكثر قناعة بحجم المخاطر، وأعمق ترسّخاً بتوجهاته المستجدة.

هل يتسحب الغزل على الرئاسة؟

في ضوء ما سبق، يطرح السؤال التالي في الاوساط السياسية: هل ينسحب الغزل الجنبلاطي على الملف الرئاسي؟ وهل إن التموضع الظاهر يحرّك المياه الراكدة في مستنقع الشغور؟

تشير اوساط الطرفين الى أن "لاشي ملموساً حتى اللحظة، بل مجرّد افكار للحل، على قاعدة أن الاولوية تبقى للانتخابات الرئاسية ومن بعدها النيابية تحاشياً للمأزق الذي يمكن ان يتأتى من استمرار الشغور الرئاسي". وطالما أن مكوّنات الطبخة الرئاسية لا تزال في طور التجميع، فذلك يعني أن الخروج من النفق لم يبدأ بعد.

في المقابل، ينطلق المطّلعون على مجريات الاتصالات من أن الملف الرئاسي لا يزال يشبه لعبة كلمات متقاطعة، لم ينجح أي طرف حتى الساعة في حلّ جميع خاناتها، وأن الستاتيكو القائم على الساحة الداخلية، مرشّح للاطالة الى امد غير قريب. فالتطورات الاقليمية في بداية بلورتها، "والحرب على داعش" لا تزال تجمع صفوفها وتستكمل عناصرها. ما يعني أن اللاعبين الاقليميين في غير وارد التسرّع في اي خطوة ذات تداعيات لبنانية، لا بل سيأخذون وقتهم في شدّ الحبال، مع ما يرافقه من تصلّب وليونة، الى ان تتضح معالم تركيبة البازل الجديدة. عندها، سيكون من الاسهل الغوص في الملف الرئاسي اللبناني، بحسب اصحاب هذه النظرية، الذين يعتبرون أن الفترة الفاصلة لن تكون الاّ لعض الاصابع وحرق الأوراق.

بالعودة الى جولة جنبلاط، يتوقّف أحد الحاضرين لمحطة بيصور فيها عند النقطة التالية: في كلمته، تطرّق رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال ارسلان الى الانتخابات الرئاسية، فنظر الى جنبلاط ورآه مبتسماً. فهم ارسلان الاشارة وبادر بمثلها قائلا : "الظاهر مطولي كتير القصة مهيك وليد بك".

بناء عليه، يبدو أن موعد خميرة الحلول لم يحن بعد ليرشّ في معجن الحراك السياسي الفاعل.