قد يتميز لبنان بمناخه "سابقا" وديمقراطيته "المفترضة"، إلا أنه حتمًا لا يتميّز ب​خدمة الانترنت​، لا في جودتها ولا في كلفتها ولا حتى بتغطيتها لكامل مساحة الاراضي اللبنانية. وحتى مع المرسوم الجديد صاحب الرقم 11967 بتاريخ 24 ايار 2014، والذي يحدد الاسعار الجديدة لخدمات الانترنت بالاضافة الى رزمات جديدة تضم سرعات اعلى وسعات اكبر، لم يتغير الواقع السيء لهذا القطاع، فرغم بدء تنفيذ هذا المرسوم في أول حزيران من العام الجاري، بقي حال الانترنت على حاله او حتى ساءت حاله في بعض المناطق. فماذا يجري في هذا القطاع الحيوي؟

مشاكل قطاع الانترنت في لبنان

من المعروف في لبنان أنّ القطاع الخاص يشارك العام في تشغيل قطاع الانترنت، ومن هنا فإن خطوة ​وزارة الاتصالات​ و"اوجيرو" بزيادة السرعة وتخفيض الاسعار مع ما يرافقها من مشاكل جمة طالت القطاع الخاص أيضًا، وبالتالي زبائن هذا القطاع، خصوصًا أنّ عددًا من هؤلاء المشتركين يستفيدون من أجهزة "اوجيرو". ومن هنا يشير مدير شركة "terranet" خلدون فرحات إلى أنّ المستهلك يحصل مع المرسوم الجديد على عدد "جيغا بايت" أكثر بحوالي العشر أضعاف، مما يعني أنه يسستخدم الانترنت لوقتٍ يزيد عن السابق بحوالي عشر مرات مما خلق نوعًا من الضغط الاضافي على الشبكة.

ويشير فرحات، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنه "عند حصول ضغط على الشبكة فإن ذلك يفرض أمورًا عدّة يجب العمل عليها، أولها توسيع صلة الوصل بين السنترالات و"​أوجيرو​" وتوسيع السعات الدولية"، لافتا النظر إلى أنّ هذا العمل هو مسؤولية "أوجيرو" التي باشرت فيه قبل صدور المرسوم آخر حزيران إلا أنّ إنجازه يتطلب عدداً كبيرًا من الفنيين المتخصصين للعمل على كل السنترالات في لبنان لاجل برمجتها، وهذا ما لا يتوافر لدى "أوجيرو" حاليًا".

وفي نفس السياق، يؤكد مدير شركة "IDM-cyberia" مارون شماس أنّ المشكلة الاساسية بالاضافة الى الضغط الكبير على الشبكة، تكمن في "عدم حصولنا سوى على ثلث السعات الدولية التي طلبناها، والسعات الداخلية لم تزدد أيضًا". ويوضح في حديث لـ"النشرة" أنّ "ما تحقق هو الوفر اذ ان الاسعار انخفضت، ولكن ما تبقى من امور ضرورية في هذا المجال لم تتحقق، اضافة الى مشكلة الخط النحاسي الذي يوصل السنترال بالمنزل وهو له علاقة بسرعة الانترنت".

كما يطرح شماس عددًا من المشكلات التي تواجه القطاع، وأبرزها ضرورة تطوير النصوص التي تنظم قطاع الانترنت، واصفًا إياها بالقديمة وغير القادرة على مواكبة العصر الحالي، ومعتبرًا أنّ عدم تطوير النصوص سيجعل من تقدّم لبنان أمرًا مستحيلاً. ويضيف: "لبنان من البلدان القليلة التي يكون فيها الانترنت على الهاتف الخلوي أسرع ممّا هو عليه على الشبكة الثابتة، وبالتالي يجب معرفة الاسباب، فهل السبب هو قدم الشبكة؟"

خسارة القطاع الخاص وشكاوى المشتركين

يفرق فرحات بين أجهزة المشتركين التي تعمل على خطوط "أوجيرو" وبين المشغلة على أجهزة الشركة الخاصة، مشيرًا إلى أنّ الاولى ما زالت على السرعات القديمة لان الامر يتعلق بأوجيرو، بينما الثانية لا تعاني من اي مشاكل وهي تستفيد من السرعات الجديدة. ويؤكد أنّ "أكثرية مشتركي اوجيرو لم يحصلوا على السرعة الجديدة بعد".

ويكشف فرحات عن حصول اتصالات مع المعنيين بأوجيرو، اضافة الى لقاء عقد مع وزير الاتصالات بطرس حرب، افضت الى وعود ببرمجة السنترالات خلال شهرين. كما يلفت فرحات الى ان المشتركين رسموا توقعات مبالغ فيها اذ ان سرعات الانترنت ليست ثابتة، وبالتالي فإن سرعة "واحد ميغا بايت" لا تعني بالظبط "واحد ميغا بايت" لاننا يجب ان نحتسب عدد المستخدمين الذين يعملون بنفس الوقت على الشبكة وذلك تماما كما مبدأ الاتصالات الخلوية.

من جهته يعلن شماس ان شركته خسرت هذا العام 35 بالمئة من المشتركين الجدد الذين دخلوا اليها عام 2014، لافتا النظر الى ان هؤلاء يتجهون نحو اصحاب الكابلات غير المرخصة. ويقول: "راجعنا الوزارة بعد الشكاوي الكثيرة التي وصلت الينا، وطلبنا منها ان تضع لنا برنامجا زمنيا معينا كي نستطيع ابلاغ المشتركين به نظرا للشكاوى الكثيرة التي تصل الينا، ولكن حتى اليوم لم نصل الى النتيجة المرجوة". ويضيف: "الوزارة تعلم بالشكاوى ولكن المشاكل غير واضحة حتى اليوم، ومن هنا نطالب وزير الاتصالات بأن يكون شفافا مع المواطنين بما يخص موضوع الانترنت لان هذا الموضوع اصبح اساسيا تماما كالهرباء والماء".

مرسوم الانترنت.. سياسي

وتشير المعلومات الخاصة بـ"النشرة" الى ان "اوجيرو" لم تكن لترضى بمشروع الانترنت الجديد لولا الضغوط السياسية التي فرضت عليها. وتضيف: "في لبنان حوالي 6 سنترالات بمناطق كبيرة كالدامور والضنية والذوق لا يمكن تطوير السرعات فيها لعدم وجود التجهيزات اللازمة لذلك، كما ان اغلبية سنترالات لبنان غير قادرة على تقديم سرعة تفوق الـ "2 ميغابايت"، وبالتالي فإن على المواطنين اللبنانيين عدم توقع أيّ تطور بقطاع الانترنت في المرحلة المقبلة، إذ إنّ هذا التطور المفترض بحاجة الى اعادة تجهيز للسنترالات وتجديد الخط النحاسي الذي يصل بين السنترال والمنزل وهو ما يعتبر الاكثر كلفة لناحية التركيب". كما تلفت المصادر النظر الى ان الخسائر التي يتكبدها قطاع الانترنت شهريًا أصبحت مرتفعة وان الحديث عن مشتركين جدد سيدخلون القطاع بعد تخفيض الاسعار، لم يكن بمحله اذ ان الشبكات الموجودة حاليا لا تستوعب مشتركين اضافيين.

حاولت "النشرة" الاستماع لوجهة النظر الرسمية الا انها لم تفلح، وبالتالي فإن الاسئلة التي تطرحها شركات الانترنت ستبقى بلا اجوبة حتى الساعة، بانتظار ان يتم مكاشفة الشعب اللبناني بحقيقة "التخلف" الذي يعانيه قطاع الانترنت في لبنان.

تصوير فوتوغرافي محمد سلمان

تصوير تلفزيوني علاء كنعان