دخل اليمن مدار الاندفاع المتسارع نحو المستقبل المجهول مع فشل الحوار بين السلطات، ممثَّلة برئاسة الجمهورية و"أنصار الله" بزعامة عبد الملك الحوثي، سيما أن السلطة برئاسة عبد ربه منصور هادي المتحالفة مع السعودية تمنّعت عن الاستجابة لمندرجات الاتفاق الذي تمخّض عن الحوار الوطني، ورفضت الإجماع الشعبي المطالب بالتراجع عن رفع أسعار المحروقات، والذي طال بدوره غالبية السلع، وزاد من إفقار الفئات التي ترزح تحت خط الفقر، والبالغة نحو 55 بالمئة من الشعب، حسب إحصاءات رسمية، كما أن المطالب تشمل إسقاط الحكومة بالطرق السلمية، سيّما أن الفساد متفاقم إلى درجة لا تُحتمل، وتطالب بمعالجته الأكثرية الشعبية، وهو ما تصمّ السلطا ت آذانها بشأنه.

وبدل أن تقوم السلطات باحتواء الأمر، اندفعت إلى استنفار الشارع المؤيّد لها، وتحت شعارات تثير المذهبية، بعد أن لمست أن الشعب بتكويناته المتعددة استجاب للحراك السلمي وللشعارات التي رفعها "أنصار الله".

واللافت أن أكثر ما استفزّ السلطة شعار "الموت لإسرائيل" و"الموت لأميركا"، وهو ما حاولت من خلاله السلطات تأليب الرأي العام بأن للتحرك أهدافاً سياسية، وأن جهات خارجية تقف خلف المسألة، بينما تتخفى هي وراء الضياع الذي يعصف بها جراء الضغط السعودي والأميركي الهادف إلى ترويض الشارع المعادي للصهاينة، عبر إشغاله بمشكلات مذهبية، فضلاً عن جعله مثقلاً بالبحث عن لقمة العيش المُرّة.

لقد أثبت الغالبية الشعبية التي تقاطرت من أنحاء مختلفة من اليمن إلى العاصمة وضواحيها قدرة عالية على الانضباط، وعدم الانجرار إلى الاستفزاز، في وقت انتشر مسلحون في بعض الأحياء، بينما توارى الشيخ حميد الأحمر وأشقاؤه، بالتزامن مع الانتشار المسلح، ما ينبئ بنوايا غير حميدة، خصوصاً أن آل الأحمر هم من يسيطر على القسم الأكبر من ثروات البلاد بدعم سعودي، وطالما كانوا يقفون وراء التوترات، وكانت قبيلتهم على اشتباك شبه دائم مع "الحوثيين".

المثير للريبة أكثر في نوايا السلطة هو الاجتماعات العسكرية والأمنية التي ترأسها رئيس الجمهورية، مع طلبه رفع الجهوزية والاستعداد لمواجهة أي احتمالات، متّهماً "الحوثيين" بأجندات خفية ومشبوهة، ما يعني أن باب التصعيد بات مشرعاً، خصوصاً أن "الحوثيين" رفضوا إغراء مشاركتهم في الحكومة مقابل التخلي عن مطلبهم إلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وهوالقرار الذي صدر أصلاً بناء على تحذير من البنك الدولي والدول المانحة، بذريعة أن بقاء الدعم سيؤدي إلى انهيار اقتصادي.

السلطات اليمنية تدرك أن "أنصار الله" لا يريدون التورُّط في قتال معها، سيما أن معركتهم مع القوى التكفيرية ذات الرعاية السعودية ما تزال مستمرة في منطقة الجوف، والقتال بمواجهة السلطة يُفقدهم الالتفاف الشعبي المنقطع النظير الذي يمنحهم صدقية إضافية إلى تمنُّعهم عن مغريات الحصة الحكومية، والذي يهدف من ورائه منصور هادي إلى "ضرب عصفوريْن بحجر واحد"؛ إسقاط "الحوثيين" في لعبة السلطة، ونزع التأييد الشعبي إذا استجابوا، والهيمنة على الحكومة بإضعاف "حزب المؤتمر" و"حزب الإصلاح الإسلامي".

في الواقع، لن ينجح هادي في خطته، ولذا قد يلجأ إلى الخطوة الأخطر بفتح النار، ودون ذلك أبواب جهنم التي يمكن أن تحرق السعودية، أو على الأقل تلفحها بنار تسري لاحقاً في الهشيم.