تبدو المنطقة في صراعٍ محمومٍ بين التسويات الموضوعية والانفجار الكبير الذي يهدّد الدول والأنظمة برمّتها في ظل تطورات متسارعة وتحولات غير متكافئة يلعب فيها كلّ فريقٍ أوراقه المستورة والمكشوفة في مشهدٍ يؤكد على جملة معطيات بدأت مع انسحاب ​الجيش السوري​ من مطار الطبقة العسكري في الرقة وتسليمه المحافظة من أولها إلى آخرها لجيش دولة الاسلام في العراق والشام "داعش" ولم تنته بسيطرة "الجيش السوري الحر" و"جبهة النصرة" على معبر القنيطرة في ما وصفه دبلوماسي شرقي باستمرار النظام السوري بالرقص على حافة الهاوية لجرّ خصومه إلى مواجهة مباشرة مع "داعش" و"النصرة" وكلّ ما يمتّ إليهما بصلة. بيد أنّ النظام، وبحسب قراءة الدبلوماسي عينه، بدأ بتحقيق أهدافه الاستراتيجية مستندًا إلى لعبة العصا والجزرة وهي لعبة يجيدها آل الاسد ويتقنونها بحساباتها الخاصة والمعقدة.

يتوقف الدبلوماسي في هذا السياق عند التبدلات السريعة في الخريطتين السياسية والميدانية مع ما يعنيه ذلك من تقلبات في الأمزجة والخطط التي يعتمدها كلّ محور في ظلّ تسريباتٍ سرعان ما تحوّلت إلى يقين حول أسرار وخفايا الأهداف الكامنة وراء انسحاب الجيش السوري من مطار الطبقة وتسليمه لـ"داعش". ويلاحظ أنّ النظام بخطوته هذه حقق هدفين استراتيجيين أولهما إخراج قوات النخبة لديه من لعبة الاستنزاف العسكري والاستهلاك الاعلامي وإعادة نشرها بشكل يؤمن الخطوط الامامية وما يليها من خطوط دفاع أمنية وسياسية للمناطق التي يسيطر عليها بما فيها العاصمة دمشق ومحافظة حمص بامتدادها الجغرافي باتجاه معقل حزب "البعث" الحاكم، أي اللاذقية والمدن الساحلية المتصلة بالبحر، وثانيهما والأهم وضع "داعش" في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الأردن وتركيا والمملكة العربية السعودية، خصوصًا أنّ المعروف عن التنظيم الارهابي المذكور أنه يسعى للوصول إلى الشاطئ لاستكمال معالم دولته وتأمين استمراريتها في حال استقام الرأي على تشجيع الهجرة المعاكسة من أوروبا باتجاهها، وهذا ما يهدّد الاردن ويحشره مع حلفائه في زاوية لا يمكن الخروج منها إلا بتبني الموقف السوري ودعمه للانقضاض على الإرهاب القادم من أراضيه.

ووفقًا لهذا الدبلوماسي، فإنّ حقيقة الجغرافيا تحتم بُعد المسافة بين المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" والساحلين السوري واللبناني ما سيدفع به إلى التفكير بالوصول إلى الشاطئ عبر المسافات الأقرب، أي الأردن أو تركيا أو المملكة العربية السعودية، بحيث أصبحت "داعش" في هذه الأثناء بمواجهة الحدود الأردنية التركية العراقية وعبرها السعودية، وهذا ما يفسر الحراك السعودي المتسارع باتجاه إيران وقطر ومصر في موازاة حراك دبلوماسي أميركي وغربي باتجاه إيران التي تنازلت عن رئيس الحكومة نوري المالكي لقاء أثمانٍ مدفوعة في مكانٍ آخر قد يكون المملكة العربية السعودية نفسها التي استقبلت نائب وزير الخارجية الايرانية في خطوة قد تكون البداية لتحسين العلاقات بينهما وتسوية الكثير من الازمات العالقة بينهما منذ عقود، وذلك في ظلّ تقدم بالمفاوضات بين ايران والغرب على خلفية الملف النووي ما سيؤسس إلى واحدٍ من احتمالين، إما إعادة تكليف الجيش السوري بقيادة حرب عربية شاملة على الدولة الاسلامية لإبعاد خطرها عن الدول الاقليمية بما فيها اسرائيل التي قد تعاني عاجلا أو آجلا من وجود التكفيريين على حدودها أو إعادة تركيب خريطة جيوسياسية جديدة تأخذ بالاعتبار عوامل إتنية ومذهبية نافرة تشكل قاعدة جديدة لقيادة المنطقة لا سيما أنّ المعلومات المتوافرة لدى الدبلوماسي تشير إلى أنّ الجيش السوري ترك عمدًا أسلحة نوعية وذخائر صاروخية في مطار الطبقة كان يمكن له أن يدمّرها إذا لم يكن يريد الابقاء على مواقعه ، غير أنّ الحسابات المتعلقة بالدفاع عن دول المنطقة من دون مقابل دفعته إلى الرقص على حافة الهاوية.