كان لافتاً الموقف الذي بادرت إليه الدولة السورية عبر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية وليد المعلم، الذي أرسل إشارات إيجابية وتحذيرية في الوقت نفسه، إلى دول الغرب وأميركا بالرغبة بالتعاون في مكافحة الإرهاب، وبأن الدعوة إلى حرب عالمية على الإرهاب لها مقوماتها ومتطلباتها، وأن أي عمل عسكري ضد التنظيمات الإرهابية في سورية يتطلب تنسيقاً مع الدولة السورية، وإلا اعتُبر عدواناً عليها.

فعلياً، إن أي متتبع واقعي للأحداث كان يفترض أن المعركة الحاصلة في المنطقة ستؤدي في النهاية إلى تحالف دولي عريض ضد الإرهاب، وإن التمهيد لهذا التحالف أو الانخراط فيه سيتضمن - حُكماً - التنسيق مع الدولة السورية، لكن في ظل كل هذه التصريحات الغربية المؤيّدة للقضاء على تنظيم "داعش"، والضربات الجوية العسكرية الأميركية على مواقع تنظيم "داعش" في العراق، والقرار 2170، وغيرها، قد تقود إلى التبشير بقرب تأسيس جبهة عريضة دولية وإقليمية للقضاء على الإرهاب، ما يعني أن التسوية باتت جاهزة، فهل فعلاً هناك مؤشرات على نضوج التسوية؟

الواقع في الشرق الأوسط يفيد بأنه لا يمكن لتسوية مجتزَأة أن تحصل، وأنّ التسوية عليها أن تشمل ترتيبات إقليمية ودولية تمتد على مساحة ما سمّاه الأميركيون يوماً "الشرق الأوسط الأكبر"، والذي يضم بالإضافة إلى الدول العربية كلاً من تركيا و"إسرائيل"، وصولاً حتى أفغانستان وباكستان.. وعند الاطلاع على هذه المساحة نجد ما يلي:

- لم تنتهِ الأزمة المتفاعلة في أفغانستان حول نتائج الانتخابات الرئاسية لغاية الآن، ولا يبدو أن الموعد المفترَض لعملية التسلّم والتسليم بين الرئيس السابق حامد كرزاي وخلفه المقررة في الثاني من أيلول سيكون متاحاً، بسبب التأخير في عملية إعادة فرز الأصوات وإلغاء الأصوات المزوّرة.

- لم ينتهِ التفاوض في الملف النووي الإيراني، الذي تمّ تأجيله إلى تشرين الثاني المقبل، مع ما يمكن أن يرافق ذلك من شد وجذب، بسبب الانتخابات النصفية في الكونغرس الأميركي، وحاجة الشيوخ والنواب الأميركيين لمحاباة اللوبي اليهودي ومن ورائه "إسرائيل".

- لم يتمّ حسم الصراع السُّني السُّني في المنطقة لصالح أي من طرفيْه؛ تركيا أو السعودية، وما زالت الاشتباكات، المعلَنة منها والصامت، تطبع المعارك في كل من سورية والعراق، ودول الخليج، ويبدو أن الأميركيين غير مستعدّين - في هذا الوقت بالذات - لتفضيل جناح ضد آخر، أو السماح بقتال "داحس والغبراء" بينهما، بل إن ما يتمّ هو صراع بالوكالة بين الطرفين من خلال مجموعات إرهابية مسلَّحة تحاول أن تفني بعضها بعضاً.

- الفشل الذي مُنيت به "إسرائيل" في غزّة، والمفاجأة التي شكّلتها قوى المقاومة في فلسطين، جعلا "الإسرائيلي" يتواضع في تحديد أهدافه، ويلجأ إلى وقف إطلاق النار، ويسعى لتفاهم يُخرجه من الإحراج الذي وقع فيه.

- لن يقدّم الأميركيون هدايا مجانية للروس؛ بالتحالف مع حليفهم الرئيس بشار الأسد، والاعتراف بأنهم كانوا على حق في توصيفهم للحرب الدائرة في سورية، في حين يعتقد الجميع أن روسيا محرَجة في الملف الأوكراني الذي يشغلها، في ظل اطمئنان مقبول لديها للتقدُّم الذي يُبديه محور المقاومة في معركته الوجودية في المنطقة المشرقية.

- الاستفادة المادية الهائلة التي يحصل عليها الغربيون من خلال صفقات الأسلحة التي يبيعونها للمنطقة، وللفصائل المتقاتلة فيها، بالإضافة إلى الاستفادة المادية الهائلة من جرّاء شراء النفط المسروق من العراق وسورية بأبخس الأسعار، والتي تشكّل تقريباً 30% من سعر النفط الرسمي العالمي.كل هذه الملفات، وغيرها من الملفات غير المكتملة، كقضية المقاومة في فلسطين، والتنافس في مصر، والإرهاب المنتشر في المغرب الغربي، والنار تحت الرماد في الخليج.. تشير إلى أن التسوية لم تنضج بعد، وأنها ما زالت تحتاج إلى وقت لبلورتها بشكل يقبله الأطراف الفاعلون دولياً وإقليمياً، ما يعني أن تحالفاً إقليمياً ودولياً عريضاً للقيام بحرب عالمية على الإرهاب دونه عقبات، ويحتاج إلى وقت لا بأس فيه لبروزه بشكل جدّي.