«إسرائيل» هُزمت، والمقاومة الفلسطينية انتصرت انتصاراً واضحاً ومدوّياً لا لبس فيه على أقوى جيش في المنطقة، وذلك بعد أكثر من خمسين يوماً على العدوان الصهيوني على قطاع غزة، استخدم فيه الجيش «الاسرائيلي» كلّ ما في حوزته من الصواريخ والقنابل المدمّرة لسحق المقاومة وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني… لكنه فشل، وكانت النتيجة إصابته بالإحباط واليأس وانقلاب المستوطنين الصهاينة ضدّ حكومتهم لعدم تمكنها من تحقيق النصر على المقاومة وسيادة الانقسام والصدمة في حكومة العدو، وانهيار في شعبية رئيسها بنيامين نتنياهو، وانشقاق جديد في حزبه برئاسة كحلون.

هذه النتيجة دفعت أحد الوزراء الصهاينة إلى وصفها بالعار على «إسرائيل»، فـ»إسرائيل» انهارت ولم تستطع الاستمرار في تحمّل حرب استنزاف في مواجهة مقاومة وشعب فلسطيني متماسكين ومستعدين للقتال وتحمّل المجازر والدمار وعدم التراجع عن تحقيق المطالب، فيما الجبهة الداخلية «الاسرائيلية» المتطرفة في مواقفها تصدّعت وتفككت ولم تعد متماسكة خلف نتنياهو، وباتت عامل ضغط عليه للخروج من مستنقع حرب الاستنزاف الذي انزلقت إليه «إسرائيل» ولا يبدو أنّ له نهاية، فسارع نتنياهو إلى تلقف المقترح المصري الذي صيغ على نحو يؤمّن قسماً من المطالب الفلسطينية فور بدء تنفيذ اتفاق وقف النار والقاضية برفع الحصار الكامل عن قطاع غزة وفتح كلّ المعابر ودخول المواد اللازمة لإعادة إعمار غزة بلا شروط وتوسيع مساحة الصيد في بحر غزة بعمق 6 ميل، ويؤجل مواضيع إقامة الميناء وفتح المطار وتبادل الأسرى وفتح طريق بَرّي لتأمين التواصل بين غزة والضفة لمرحلة ثانية من المفاوضات بعد شهر من تثبيت التهدئة، وهو ما كان يريده نتنياهو للسير بالاتفاق لأنه لا يستطيع هضم وابتلاع كلّ هذه التنازلات دفعة واحدة.

وهو بالكاد استطاع تمرير الموافقة على الجزء الأول من المطالب الفلسطينية من خلال التسلّح بإجازة المستشار القضائي له بالإقدام على ذلك من دون طرح الاتفاق على المجلس الوزاري المصغّر، حيث يرفض معظم وزراءه الاتفاق. وهو ما دفع أحد المحللين الصهاينة إلى القول: «صادقت الحكومة الإسرائيلية في آب أغسطس من العام 2014، برئاسة بنيامين نتنياهو، على اتفاق وقف إطلاق النار مع «منظمة إرهابية»، حيث أنه نتنياهو «استغلّ الفرصة وهرب».

المصادقة تمّت من قبل نتنياهو وجرى إبلاغ الوزراء عبر الهاتف.

هذه الهزيمة «الإسرائيلية» الجديدة أمام المقاومة جاءت بعد أن وصل جيش الاحتلال إلى طريق مسدود في سعيه لتحقيق أهداف حربه، فهو عجز عن إسكات صواريخ المقاومة التي لم تتوقف عن التساقط فوق مدن ومستوطنات الاحتلال، وأخفق في النيل من منظومة القيادة والتحكّم لدى المقاومة، ولم يتمكّن من تدمير قدرات المقاومة ولا مصانع سلاحها ولا أنفاقها الهجومية، وأخيرأ لم ينجح في الضغط على الشعب الفلسطيني عبر زيادة منسوب المجازر والتدمير في غزة لدفعه الى الصراخ والضغط على المقاومة للقبول بشرط العدو لوقف النار «هدوء مقابل هدوء»، بل أنّ الصراخ جاء من المستوطنين الصهاينة الذين أجبرتهم صورايخ المقاومة وقذائف الهاون على الهروب بشكل جماعي من المستوطنات في جنوب فلسطين المحتلة وعدم العودة إليها قبل التوصّل إلى اتفاق على وقف النار.

وأظهر ذلك الفارق الكبير، بين قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والتحمّل والاستعداد للتضحية بدمائه وممتلكاته ورفض النزوح عن أرضه والتمسك بالبقاء فيها ودعم مقاومته ومطالبتها بعدم المساومة والتراجع عن المطالب، وبين المستوطنين الصهاينة الذين أثبتوا عدم قدرتهم على الصمود والاستعداد للتضحية ومسارعتهم للهروب وانتقاد قيادتهم، ما يكشف أنه ليس لديهم قضية ليضحّوا من أجلها فهم جاؤوا من أصقاع الدنيا لاغتصاب واستيطان أرض ليست لهم.

على أنّ الهزيمة «الإسرائيلية» كرّست حقيقة أنّ الجيش «الإسرائيلي»، رغم كلّ ما يملكه من قدرات وتفوّق عسكري وحرية حركة، غير قادر على هزيمة المقاومة في قطاع غزة المحاصر وذات المساحة الصغيرة والمنبسطة، خاصة بعد أن امتلكت المقاومة الجاهزية والاستعداد لمواجهته، ما يؤكد أنّ «إسرائيل» باتت قوة مهزومة غير قادرة على تحقيق النصر في الحرب عندما تواجه مقاومة جدية، تماماً كما حصل في جنوب لبنان عام 2006. إنه الدرس الذي يجب أن تحفظه أمتنا جيداً لتحرير الأرض من الاحتلال، لأنّ طريق الرهان على المفاوضات لاستعادة الحقوق برهن أنه أقصر الطرق لضياعها، فالاحتلال لا يرضخ إلاّ تحت ضغط المقاومة، كما حصل الآن في غزة.