جاء الإسلام رسالة تحتوي كلّ رسالات السماء. فلا يمكن أن يحمل المسلم عقيدته في قلبه إلّا إذا حمل في قلبه أيضاً عقيدة كلّ الرسل الذين جاؤوا من عند الله عز وجلّ.

والدين في الكون ينقسم إلى عقيدة وشريعة. فالعقيدة لا تتغيّر، وما جاء به أسيادنا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، عقيدة واحدة لا تتعدّل أبداً. وهذا ما أُنزل في التوراة والإنجيل وصُحف إبراهيم سلام الله عليه. لذلك، يرى المسلم نفسه أنّه مسؤول عن العالمين لا عن المسلمين. فقد جاء في رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم الأمر الإلهي له والصفة التي وضعها الله له لحملها، أن يكون رحمة للعالمين لا للمسلمين. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما أنا رحمة مهداة»، فقال الله له: «وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين».

وحين نتحدّث عن الشريعة، نتذكر ما جاء في سورة المائدة: «لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً». فما يحدث اليوم بين أبناء الطوائف والمذاهب الدينية، إن كانت مسيحية أو إسلامية، وقد شهدنا في التاريخ حروباً بين المؤسسة الدينية المسيحية والمؤسسة الدينية الإسلامية، فحين نشهد ما جرى في تاريخ المسيحية بين الأرثوذوكسية والكاثوليكية والبروتستانتية، نفهم أنّ هذه الصراعات لم تكن دينية ولا طائفية ولا مذهبية، إنّما صراعات سياسية حملت الاسم الدينيّ لتبرّر استيلاءها على الآخرين وظلمها لهم، وهذا ما حصل في الساحة الإسلامية، من حروبٍ بين أهل البيت، وحروب بين السنّة والشيعة أو بين الفرس والعرب، كلّها حروب سياسية تلبس أثواباً دينية ومذهبية.

اليوم، علينا إعادة النظر في قضية الشرائع والأديان، وهل صحيح أنها تتصارع؟ وهل صحيح أنها تتصادم؟ وهل صحيح أنها تتقاتل؟ فبما أنّ المشرّع واحد سبحانه وتعالى، وبما أنّ الخالق واحد سبحانه وتعالى، فكيف يجعل شريعة المسيح تتصادم وتتقاتل مع شريعة سيّدنا موسى؟ وشريعة سيّدنا محمد تتصادم مع شريعة سيّدنا إبراهيم؟ وهذا ليس صحيحاً، فالتصادم جرى من قِبل بعض من سُمّوا رجال الدين، مَن فسّروا النصّ في مظلّة التوجّه السياسي، فنرى في الشريعة الواحدة مذاهب تصادمت مع بعضها تصادماً عجيباً يجعل الإنسان يستغرب. إذا كان النبي واحداً، والقرآن واحداً، والله واحداً، والمصير واحداً، فكيف يتصادم نصّان شرعيّان؟ فيقتل مسلمٌ مسلماً، أو مسلمٌ يقتل مسيحياً كتابياً، أو مسلمٌ يقتل يهودياً بِاسم الدين. لا، إنّما العدل بِاسم الدين، فهناك الشرائع تسمح بقتل القاتل بِاسم الدين لأنه قَتَل، ولكنّ الشريعة نفسها تقول: «وإن تعفوا أقرب للتقوى وإن تحسنوا هي التقوى». لذلك، نرى ما يحصل اليوم من صراعات لا علاقة لها بشرائع السماء ولا بالدين الواحد الذي أرسله الله للبشرية صفاءً ونقاءً ونماءً. من هنا، يجب أن ننتبّه لنعيد النظر في ما يحدث في الساحتين العربية والعالمية. فما حدث حين صُلب كثيرون من أبناء أوروبا بحجة السحر لأنهم خالفوا الكنيسة، هل كانوا حقيقة سَحرة أم اتّجهوا إلى العلم ليبدعوا فخافت الكنيسة أن يخرج الناس من ظلها بحجة العلم، فيذهبوا إلى الإلحاد؟ هذا ما يحدث في عالمنا الإسلامي بِاسم البِدع، يُقتل الناس لأنّهم مبتدعون، ولأنهم أهل بِدع، فتلك لعبة سياسية الإسلام براء منها، والمسيحية بريئة منها، واليهودية أيضاً بريئة من أن تكون لله في الكون أرض يعطيها لشعب ويحرم منها شعباً آخر.

فإلى كلّ أبناء أمّتنا بأطيافهم وشرائعهم كلّها، أن يعيدوا النظر بكلّ ما قرأوه وتعلّموه في التاريخ ويعيدوا التدقيق به. هل ما حدث من حروب حقاً كانت حروباً في مظلّة الدين؟ أم استُغلّ فيها الدين كما يُستغلّ اليوم في فلسطين وفي ساحات كثيرة في سورية ولبنان ومصر واليمن وليبيا والصومال التي كانت أغنى البلاد الأفريقية والتي أصبحت بِاسم المذاهب الإسلامية والطوائف والأحزاب السياسية أفقر بلد أفريقيّ؟ ولنعِدِ النظر، هل جاء الدين لسعادتنا ووحدتنا وجمع كلمتنا، أم جاء لتفريقنا؟ أقول بصدقٍ إنّ أمة تقرأ قول رسول الله «الحمد لله ربّ العالمين» ويقتل بعضها بعضاً، لن تبقى صلاتها ولا قراءتها ولا تاريخها، ولن تستطيع أن تصنع مستقبلها إلّا من خلال العودة إلى روح الدين وسرّ الشرائع في الدين، ويعيش العالم في سلام. وعندئذٍ نقول: «إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم».