صدر عام 2012 مرسوم حمل الرقم 8633، يُعنى بالموضوع البيئي وتحديدا بأصول تقييم الاثر البيئي. ولمن لا يعلم، فإن هذا المرسوم يرمي الى تحديد الاصول التي ترعى هذا التقييم للمشاريع العامة والخاصة تلافيا للنتائج البيئية الهامة المحتمل حدوثها عند إنشاء المشاريع المذكورة وتشغيلها وتفكيكها. كما يهدف بعد تقييم الاثار البيئية للمشروع، تعيين التدابير اللازمة للتخفيف من الآثار السلبية وزيادة الآثار الايجابية على البيئة والموارد الطبيعية وذلك قبل إعطاء القرار بالموافقة على المشروع أو رفضه.

إذًا فقد نظم هذا المرسوم ما جاء بالباب الرابع من قانون حماية البيئة 444 الصادر عام 2002، وبالتالي لم تعد المشاريع أمرًا سهلاً يمكن لمن يريد المباشرة فيها أينما يريد وكيفما يشاء، فالأولوية لحماية البيئة التي هي شأن عام يجب المحافظة عليه... إلا في لبنان "فالقانون للفرجة فقط وليس للتطبيق".

بداية لا بدّ من التفريق بين المشاريع العامة والمشاريع الخاصة، فبالاولى مثل انشاء طريق أو مطمر صحي أو سد، تقع مهمة تقديم تقرير الاثر البيئي على الوزارة المعنية عبر مجلس الانماء والاعمار الذي يقدم تقريره لوزارة البيئة والتي تعرضه بدورها أمام مجلس الوزراء حتى يتم اتخاذ القرار بشأن المشروع. أما في القطاع الخاص، فالأمر مختلفٌ إذ تقع مهمة إعداد تقرير الأثر البيئي على الشركة صاحبة المشروع، التي تلجأ بدورها إلى إحدى الشركات التي تعدّ مثل هذه التقارير وعددها حوالي 23 في لبنان، وعند الانتهاء من التقرير، يُرفع الى الشركة مالكة المشروع تمهيدًا لتقديمه إلى وزارة البيئة، وهنا يكون للوزارة قرار الرفض أو القبول أو طلب إجراء تعديلات على المشروع حسب نتائج تقرير الاثر البيئي.

أكثر من ذلك، ينصّ القانون رقم 444 في المادة 18 منه على الولوج الحر إلى المعلومات، فيما ينصّ المرسوم 8633 بالمادة الثامنة منه على قيام البلدية بنشر الإعلان عن المشروع الذي يقع ضمن نطاقها واعلام العامة به، على ان يتضمن الاعلان ان المشروع المقترح يستلزم دراسة "تقييم اثر بيئي"، مما يعني معرفة المواطنين بالمشاريع التي تستلزم مثل هذه الدراسة ومعرفتهم بنتيجتها التي على اساسها يباشر العمل بالمشروع او لا.

إزاء ذلك، طلبت صحيفة "النشرة" الالكترونية عبر بريد الكتروني الى وزير البيئة محمد المشنوق تزويدها بلائحة كاملة عن تقارير تقييم الاثر البيئي والفحص البيئي المبدئي التي عرضت على وزارة البيئة، ونوعية المشاريع المطروحة من خلال هذه التقارير، وقرار وزارة البيئة بصددها، منذ تاريخ اقرار المرسوم عام 2012 حتى اليوم، وذلك للتمكن من الاطلاع عليها وتحليلها وتبيان الاثار الايجابية لتطبيق هذا النظام على حماية البيئة.

للاسف لم يصلنا اي جواب من قبل الوزارة رغم ارسالنا البريد نفسه اكثر من مرة، ولذلك كان لا بد من الوصول الى المعلومات بطريقة اخرى، وفي هذا السياق علمت "النشرة" ان حوالي 120 مشروعا قدموا تقارير تقييم الاثر البيئي الى وزارة البيئة منذ صدور المرسوم، وجواب الأخيرة كان بالموافقة على كل تلك المشاريع، اذ ان التقارير المقدمة كانت جميعها ايجابية. وهنا تسأل المصادر: "هل يعقل في بلد كلبنان ان تكون كل هذه المشاريع مستوفية للشروط المطلوبة والاّ يكون لها اي آثار سلبية على البيئة؟"

وتضيف المصادر: "23 شركة مختصة بإعداد تقارير تقييم الاثر البيئي، مرتهنة للمتمولين اصحاب المشاريع اذ ان الشركة التي تُصدر تقريرا سلبيا يتم التوقف عن التعامل معها وبالتالي ستصبح دون عمل وهذا الامر يجعل التقارير ايجابية بأكملها". وهنا تؤكد المصادر ان وزارة البيئة بدورها لم ترفض اي طلب (رغم صلاحيتها التي تتيح لها التحقق من صدقية التقرير وهو ما لا تقوم به) وادخلت تعديلات على مشاريع قليلة جدا.

وتلفت المصادر النظر الى ان البيئة في لبنان تتجه نحو كارثة حقيقية ان لم يتم تدارك هذا الامر وتطبيق القانون وروحيته وادخال تعديلات على المرسوم تتيح معاقبة الشركة التي تزور نتائج التقارير وجعلها تتحمل مسؤولية تقاريرها، لوضع حد نهائي للتفلت الموجود في هذا الملف.

ان مرسوم تقييم الاثر البيئي شكل نقلة نوعية من حيث اهميته البيئية، الا ان ما يجري اليوم على هذا الصعيد هو تدمير ممنهج مع براءة ذمة من قبل وزارة البيئة، فالقوانين والمراسيم هي مجرد حبر على ورق ان لم تقترن بالتنفيذ والمحاسبة.