تعتبر مصادر سياسية ان المساعدات الاميركية للجيش اللبناني التي تزايدت في الآونة الاخيرة والمرشحة كما قال السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل للاستمرار على الوتيرة نفسها هي مؤشر مطمئن للبنانيين لعله الوحيد في سياق المخاوف المتصاعدة على وقع التطورات في عرسال . فما جرى في اليومين الاخيرين ايا تكن اسبابه المباشرة لا ينفي واقع تحسب المسؤولين اللبنانيين وفق ما لم يخف كثر منهم بان جرح عرسال الذي فتح في الثاني من آب الجاري بات نازفا وليس مرشحا للاقفال في المدى المنظور تبعا لاعتبارين اساسيين: احدهما ان نتائج المواجهات بين الجيش اللبناني والمسلحين في عرسال لم تختتم وفق ما كان يجب ان تختتم اي انتصار كامل وحاسم للجيش لأسباب باتت معروفة في غالبيتها فضلا عن احتجاز المسلحين عناصر من الجيش وقوى الامن الداخلي. ولذلك تعتبر هذه المصادر ان عرسال قد تكون بداية لمسألة طويلة بحيث دخل لبنان نفقا غير واضح اين يمكن ان ينتهي. والآخر ان ثمة تمددا للتنظيمات الاصولية من جبهة النصرة وداعش في المنطقة في سوريا والعراق بحيث قد لا يعفي لبنان منه بل يحاول ان يطاوله. والتحذير الذي اطلقه وزير الداخلية نهاد المشنوق في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء كان بالاستناد الى التطورات السورية الاخيرة. اذ ان احتمال حصول اي عملية عسكرية من تحالف دولي يتم التحضير له ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا ولو قال الرئيس الاميركي باراك اوباما بانه لم ينجز بعد استراتيجية محددة من اجل سوريا، قد يؤدي الى هروب الكثير من عناصر هذا التنظيم مع احتمال لجوئهم الى لبنان في ظل حدود مفتوحة وخطرة. يضاف الى ذلك عدم استبعاد وجود خلايا لهذا التنظيم او نشوئها على نحو مواز للحماسة التي يثيرها لدى الجهاديين الغربيين وفق ما شهد اللبنانيون مشاركة افراد لبنانيين في تفجيرات في العراق مثلاً. فالمخاطر القادمة مرجحة بحكم الواقع السياسي من جهة والجغرافيا من جهة اخرى.

وتالياً فان المساعدات الاميركية بمقدار ما تعبر عن استعداد لدعم الجيش اللبناني ومده بالاعتدة اللازمة نتيجة للثقة بوجوب العمل على ابقاء لبنان قوياً عاصياً على هذا المد الارهابي الجاري في المنطقة، وفق ما تقول هذه المصادر، فانها تعبر عن قلق من ان لبنان قد يكون مقبلاً على مواجهات اكبر من تلك التي واجهها حتى الآن ومن هنا المسارعة الى مد الجيش بما يحتاجه نظرا الى ان الوضع لا يتحمل انتظار ترف المفاوضات الجارية على مستوى آخر من اجل مد الجيش بالاسلحة والاعتدة التي يحتاج اليها في الوقت التي تدق مخاطر حقيقية ابواب لبنان. ويبدو وفق المصادر السياسية ان الدعم العسكري الاميركي للجيش اللبناني هو الورقة القوية التي يمكن الجيش الاستناد اليها في هذه المرحلة بحيث لا يشعر انه وحده في مواجهة ما يجري من دون اي دعم خارجي متعدد المستويات والذي يجد خلفية سياسية داعمة من كل الافرقاء السياسيين. يضاف الى ذلك ان المساعدات الاميركية التي تفيد معلومات انها انطلقت بقرار سريع بعد بدء المواجهات في عرسال مطلع آب الجاري شكلت دافعاً ايضا لتحريك مسار الهبة السعودية مع فرنسا بقيمة ثلاثة مليارات دولار بحيث انتهى عقدان بين المملكة السعودية وفرنسا ولا يزال العقد الثالث قيد المتابعة. ومجمل هذا الواقع او خلاصته يمكن ان يكون مفيدا لجهة الايحاء بان هناك رعاية خارجية للوضع اللبناني لا تزال مستمرة بحيث من غير المقبول ترك لبنان من دون مساعدة لمواجهة مصير مماثل لسوريا والعراق كما ان هناك شبكة امان داخلية مرعية اقليميا في شكل عام في المعطى الاساسي لهذا الواقع.

ما يبدو مؤسفا بالنسبة الى المصادر السياسية عدم مواكبة سياسية واعلامية على مستوى المخاطر التي يجرى التحذير منها في حال صح ان المحذرين يعتبرون هذه المخاطر مهددة لمصير لبنان في الوقت الذي تتزايد المخاوف في القرى اللبنانية الحدودية مع سوريا في شكل خاص ولدى اللبنانيين عموما . فثمة عناصر ثلاثة على الاقل يفتقدها الموقف السياسي الداخلي من بينها في شكل خاص اعتماد اسلوب الامن الوقائي الذي تم اعتماده مثلا من اجل التحسب للانتحاريين وعملياتهم في المناطق اللبنانية بدلاً من العمل على قاعدة الفعل ورد الفعل. واجتماعات مجلس الوزراء جيدة لكن ما يحتاج اليه الوضع في المرحلة الراهنة يتطلب موقفا متماسكا للقوى السياسية مماثلا لما انطلقت به الحكومة على الصعيد الامني بحيث يشكل هذا الموقف ركيزة اساسية للجيش اللبناني لا تسمح بالتشكيك فيه او تزايد عليه في معرض الحسابات السياسية او الرئاسية بل داعمة معنويا له على الاقل. علما ان الحاجة قد تكون ماسة ايضا في ظل توافر الامكانات المالية للجيش وقوننتها بما يمكن ان يشكل دفعا اضافيا له. وما تحتاج اليه هذه المرحلة ايضا هو وجود رؤية سياسية غير متوافرة في المواجهة من دون ان يعني ذلك ان الحملات الاعلامية والاسئلة التي تثار حول الاسرى العسكريين قد تساعد بل على العكس من ذلك، خصوصا ان العزف اليومي المستمر على موضوع الاسرى قد لا يفيد قضيتهم بل قد يؤذي اذا اخذت في الحسبان المدة التي استغرقها تحرير الاسرى اللبنانيين في اعزاز.