قبل اعتداء تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" الارهابيين على مراكز الجيش في عرسال وجرودها مطلع الجاري، كانت قرى البقاع الشمالي والمحاذية للحدود (المسيحية منها خصوصاً)، مسرحاً لدعوات شبابية اهلية وناشطين متحمسين في المجتمع المدني الى التهيب والتحضر لمواجهة مد "داعش" الى لبنان وغزوته تلك القرى وأخذ رهائن منها نساء ورجالاً لمبادلتهم بسجناء إرهابيين في رومية. ولم تقتصر هذه الدعوات "غير السرية" على منسقي الاحزاب ومسؤوليها في المناطق المعنية بل تعدتها لتصبح علنية عبر صفحات التواصل الاجتماعي و"فايسبوك" و"تويتر". ويذكر ان اجتماعاً عقد في هذا السياق في احدى البلديات وفي حضور نواب المنطقة المعنيين وقد خرجت دعوات من المجتمعين الشباب الى تسليح الشباب المسيحي وتجهيزه لمواجهة داعش وتشكيل ما يشبه انصاراً للجيش او ما يرادف اللجان الشعبية او مجموعات الدفاع الوطني التي تشكلت في سورية وفي الاحياء والمدن التي ضعف فيها حضور الجيش النظامي. ولعل ما يميز هذه الدعوات انها لم تصدر من حزب مسيحي بعينه بل من مناصري او منتسبي معظم الاحزاب المسيحية كالقوات والكتائب والتيار الوطني الحر، وبقيت هذه الدعوات في الإطار غير الرسمي ولم تتبنها الاحزاب والفاعليات السياسية والحزبية بشكل رسمي.

وفي هذا السياق بقيت هذه الدعوات مجرد رد فعل عاطفي وانفعالي على ما شاهده المسيحيون من تنكيل وإضطهاد وجزية وقتل وتهجير وغيرها من صنوف الارهاب الوحشية وغير المشهودة في التاريخ الحديث. وما عزز هذه المخاوف ايضاً المعلومات التي وفرتها اجهزة استخباراتية غربية عدة الى الأجهزة اللبنانية عن مخطط لتنظيمي داعش والنصرة لاجتياح بعض القرى الشيعية والمسيحية واختطاف رهائن. في المقابل اخذت الاجهزة الامنية وقيادات المناطق علماً بهذه الدعوات التي بقيت كلامية وانتهت عند هذا الحد وذلك لسببين اساسيين: الاول ان هذه الاحزاب والقوى السياسية ممثلة في مجلس النواب والحكومة وهي تثق بقدرة الجيش على التصدي لاي مخططات من هذا النوع ودورها هو مساندة هذه القوى والوقوف الى جانبها. والثاني: ان لا قدرة لوجستية اوعسكرية لاي من التنظيمات المسيحية على مواجهة داعش او غيرها من تنظيمات "القاعدة" المدربة والمسلحة جيداً.

في الوسط الشيعي وضمن القرى الحدودية تولى عناصر المقاومة ومن ابناء هذه القرى وبالتنسيق مع الجيش مهمة حراسة جرود القرى ومداخلها منعاً لاي تقدم من هذا النوع.

في مطلع الجاري وبعد نشوب المعارك في عرسال بين الجيش والتنظيمات الارهابية تحولت جهود ابناء هذه القرى الى مساندة وحدات الجيش معنوياً ومادياً وتشكلت لجان حراسة من اهالي وعناصر البلديات اقتصر دورها على مراقبة حدود هذه القرى ورصد اي تحرك مشبوه وإبلاغ الاجهزة الامنية والجيش المنتشرة هناك.

المفارقة في هذا السياق وبعد التأكد ان دعوات "التسلح المسيحية" لم تكن سوى حماسة ورد فعل اعلامي طبيعي في ظل ما يجري من مجازر ومذابح في العراق وسورية على يد داعش، خرجت كتلة المستقبل والامانة العامة لــ14 آذار باتهام التيار الوطني الحر بإجراء تدريبات لعناصر منه في البقاع الشمالي وتسليحهم في ما بعد بمساندة وإشراف "حزب الله" وهو امر لم تتوقف عنده قيادتا التيار والحزب لانه لا يهدف الا الى إطلاق مزيد من العيارات الطائشة على ورقة التفاهم بين الجانبين، ولاستكمال الحرب السياسية التي يقودها تيار المستقبل و14 آذار ضد العماد ميشال عون ومحاولة جديدة لقطع الطريق على ترشحه لخوض الاستحقاق الرئاسي وفق ما يؤكد مصدر قيادي رفيع في التيار الوطني الحر.

ويشير هذا المصدر الى ان حرب الالغاء على التيار الوطني الحر لم تتوقف وتأخذ منحى جديداً هذه المرة لكنها لن تكون ذات جدوى لان التيار منذ نشوئه يؤمن بالعمل السياسي السلمي وبالدولة ومشروعها النهائي والحاضن لكل اللبنانيين وهو يؤمن ايضاً ان سلاح المقاومة سيكون مآله الى الدولة ومسانداً لها متى قوي عود القوى المسلحة الشرعية وانتفت الحاجة الى سلاح المقاومة الذي اثبت نجاعته في مقاومة العدوان الصهيوني وفي وقف المد الداعشي التكفيري والذراع الصهيونية الجديدة في المنطقة.

ويشدد القيادي البارز على متانة التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر والتقاء التيار مع الحزب وباقي مكونات 8 آذار على مستوى القضايا الوطنية الكبرى وذات البعد الوجودي والاستراتيجي كمحاربة العدو الصهيوني وتحرير الارض ومكافحة الارهاب التكفيري، كما يؤكد ان التباين في بعض القضايا السياسية كالتمديد لمجلس النواب في المرة الاولى لم يؤثر على خوض غمار الاستحقاق الرئاسي بشكل موحد وبمرشح واحد بينما يصر الفريق الآخر على لعبة توزيع الادوار والتناقض الداخلي واختلاق الاكاذيب والشائعات وفبركتها خدمة لمخطط تصفية العماد عون الاكثر حضوراً وتمثيلاً مسيحيين وصوابية خياراته التي حمت لبنان وجنبته الفتنة والتشرذم.