لم ينقطع الخيط... ليس بعد. لم يفتحا تلك القناة التواصلية ليغلقاها اليوم في أحلك الظروف... هي حكاية التيارين اللذين يكابران على برودة العلاقة بينهما بعد سقوط ورقة الرئاسة التي كان من المفترض أن تنصفَ لقاءهما بعد فترة جفاءٍ طويلة بكرسيَّيْن “حرزانين” بين بعبدا والسراي.

في الأمس عاد نهاد المشنوق الى الرابية، ومجدداً بلا غادرينيا كتلك التي حملها الى معراب. يومها بدت تلك الورود بمثابة “جائزة الترضية” عن رئاسةٍ لن يمنحها المستقبليون للحكيم وإخطار بانطلاق قطار تفاهم من نوع آخر في أنفاق باريس الباردة. لم يكن الوقت مناسباً لفتح جروح الرئاسة التي لم تختم بعد، فالجرح العسكري أكبر، والمشنوق لم يتوجّه الى الرابية هذه المرة بصفته عضواً في تيار المستقبل بل كونه وزيراً للداخلية، وهو ما بدا واضحاً من الكلام المقتضب الذي صدر على لسانه والذي يصبّ في مجمله في خانة محاربة الإرهاب في عرسال وإيجاد حلول لقضية العسكريين المخطوفين...

تواصل قائم...

هذا ما قيل، ولكن ما لم يُقَل وما تخبئه نفوس الرابية الغاضبة لا يعدو كونه ردّ فعل على نكوث “المستقبل” بما فهمه أبناء التيار على أنه وعدٌ رئاسيٌّ مدروسٌ يمكن الوثوق فيه والبناء عليه لدرجة أنهم أعدوا العدّة ووضبوا أمتعة العماد تمهيداً لانتقاله الى بعبدا. خاب هؤلاء البرتقاليون بعدما وصلهم خبر “شوشطة” الطبخة الرئاسيّة في الدار السعودية على مرأى من سعد الحريري وعلى مسمعه. اليوم يؤكدون أن التواصل ما زال قائمًا وأنه لا بدّ أن يبقى قائمًا استناداً الى جملة أسبابٍ أهمها أنهما شريكان في حكومة المصلحة الوطنية وأن الوقت غير مناسبٍ للخصومة فيما الإرهاب يدهم البلاد وعبادها، ولعلّ أولى ترجمات مثل هذا الوعي تجلت في ترحيب الرابية بعودة الرئيس سعد الحريري الى دياره لإزاحة “المتطفلين” والمتشددين عن زعامة الساحة السنيّة. أما في الشأن الرئاسي فكلّ شيء قد انتهى على ما يبدو، وكأني بالتيار الوطني الحرّ غير قادر على الوثوق مجدداً بأيٍّ كلمةٍ يمنحه إياها الحريري. بالنسبة اليه لا مجال للتراجع عن أيّ تواصل الآن كي لا يُقال أن الرئاسة وحدها جمعته ببيت الوسط، وفي المقابل لا يمكنه إلا المضي وحيداً “ينزع” شوكه الرئاسي بيديه معوّلاً على دعمٍ من حليفه الشيعي من جهةٍ وعلى تأييد شعبيٍّ يثق بأنه كفيلٌ بإيصاله الى بعبدا في آخر فرصةٍ لعماده الذي أطلّ على العقد الثامن.

بمَ أوصاهم الحريري؟

لم تهضم معدة المستقبليين الاقتراح العوني بتعديل دستوري يمنح الشعب سلطة الانتخاب على مرحلتين، ولكنهم لم يقسوا عليه حدّ توصيفه بأبشع الأوصاف ورميه بأقسى الاتهامات على غرار حليفهم المعرابي. أجاد أبناء المستقبل مجدداً حفظ خطّ الرجعة بإيعاز من الرئيس الحريري الذي، وقبل أن يغادر، أوصى أبناء تياره على ما علمت “​صدى البلد​” بكتابة بيانات اجتماعات الكتلة بحذر ودقّة مع الحرص على الابتعاد عن نفَسَين: التحريض الطائفي والهجوم السياسي القاسي أولاً نظراً الى دقّة المرحلة وثانياً انسجامًا مع نهج تيار “المستقبل” الانفتاحي الجديد الذي يبدأ بالرابية وقد يمتدّ قريباً الى الضاحية في لقاءٍ خاطفٍ غير متوقّع لا تستبعد مصادر مواكبة أن يكون الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط يعملان عليه بصمتٍ فيكون بمثابة تهنئة عفويةٍ بانتخاب رئيسٍ للبلاد أو كجوجلة تحضيرية لإتمام الاستحقاق عقب اللقاء السعودي-الإيراني المُنتظر. وتشير مصادر تيار “المستقبل” لـ”صدى البلد” الى أن “العلاقة مع الرابية اليوم جيّدة رغم بعض التحفظات على طروحاتها ولكن ذلك لا يعني خصومة لا سيّما أن الظروف الأمنية الراهنة تفرض علينا رصّ الصفوف والتماسك معاً لمواجهة الإرهاب وإتمام الاستحقاقين الرئاسي والنيابي في أسرع وقت”.

برودة “بنّاءة”

إذاً هي أشبه بعلاقة الواجب بين زوجين يشوب علاقتهما فتورٌ ولكن الظروف تجبرهما على امتهان “التمثيل” حفاظاً على خطوط الرجعة التي صعب على كليهما رسمها في دفاتر المصالحة الأولى. ومع ذلك، يبدو التياران قابلين للبناء على مثل هذه العلاقة الباردة... قابلين لبناء الكثير بين بعبدا وساحة النجمة... وأبعد منهما.