ماذا تعني دعوات البعض في لبنان الى التمسك بشعار «الحياد»؟ وهل ان الكلام عن النأي بالنفس لا يزال في موضعه بعد كل الذي جرى ويجري؟

المعطيات والوقائع المستجدة على الساحتين اللبنانية والاقليمية تؤكد، وبحسب مصادر نيابية، ان لبنان صار في قلب المعركة ضدّ الارهاب، وان سياسة دفن الرؤوس في الرمال لم تعد مناسبة بغض النظر عن كل التبريرات والتفسيرات التي لا يزال البعض يطلقها هنا وهناك. وبمعزل عن تأييد او معارضة مشاركة «حزب الله» في القتال ضد المجموعات الارهابية في الاطراف السورية المحاذية للبنان، فان ما استجد من تطورات خطيرة على الساحة الاقليمية في ضوء توسع خطر «داعش» وأخواتها يفرض على لبنان واللبنانيين التعامل بواقعية مع الحدث لحماية الاستقرار والسلم الاهلي اولا، وصونا للسيادة وللدولة ثانيا.

واذا كان لبنان قد حاول في مرحلة سابقة تنفيذ سياسة النأي بالنفس عمّا كان يجري في سوريا والمنطقة في السابق، فان الاحداث والتطورات الاخيرة، تضيف المصادر، التي حصلت في العراق بشكل خاص تجعل تطبيق هذه السياسة مستحيلة اليوم لأسباب عديدة أقلها ان العدو للبنان واللبنانيين، اي الارهاب، صار في قلب البيت ولم يعد من الممكن تجاهله بعد كل الذي جرى ويجري.

وفي تقدير مراجع مطلعة ان الكلام عن تحييد لبنان اليوم هو ضرب من ضروب الجنون، لا بل بات يشكل غطاء وتغطية، ربما غير مقصودة، لجرائم الارهابيين أكان في عرسال او في مناطق اخرى.

وترى المراجع ان قرار مجلس الوزراء المتكرر بدعم الجيش والقوى الأمنية في المعركة ضد المجموعات الارهابية غير كاف، لا سيما في ظل استمرار خروج بعض ممن ينتمي الى اطراف مشاركة في الحكومة بتصريحات فجّة تصف هؤلاء المسلحين والارهابيين بالثوار، وتدعوهم الى الرأفة بالمخطوفين العسكريين.

وتشير هذه المراجع الى انه في الوقت الذي يعلن الرئيس الأميركي صراحة عن العمل لحشد ائتلاف ضد «داعش» واخواتها، لا يزال البعض في لبنان يطلق المواقف الداعية الى الحياد او تحييد لبنان عما يجري، وكأن انتشار آلاف المسلحين الارهابيين في عرسال وجرودها مجرد وجود وهمي او ان هؤلاء المجرمين ليسوا سوى اشباح.

واللافت ان بعض الاقلام والمحللين صغار النفوس يتحدثون في وسائل الاعلام ويدعون الى ترك عرسال على حالها وسحب الجيش من مواقعها لتبقى «متنفساً» للارهاببين وممراً لتزويدهم بالطعام والمياه بل وبالسلاح ايضا. فهل مسموح خروج مثل هذا الكلام عبر وسائل اعلامية لبنانية في الوقت الذي يدعو مجلس الوزراء اللبناني لمساندة الجيش في معركته ضد هؤلاء المجرمين؟ وهل معقول ان يتكلم بعض اللبنانيين بهذه اللغة بعد صدور قرار مجلس الامن الداعي الى عدم التعامل او دعم او تزويد «داعش» وجبهة النصرة بأي شكل من أشكال الدعم؟

وتقول المراجع المطلعة انه من غير المقبول ان تصدر مثل هذه المواقف على لسان اي لبناني فكيف اذا كانت منطوقة من اشخاص ينتمون الى تيارات واطراف مشاركة في الحكومة؟

وتضيف ان وضع مثل هذا الكلام في خانة سياسة الحياد والنأي بالنفس هو جريمة بحق لبنان واللبنانيين الذين يقتلون على يد هذه المجموعات الارهابية، وان الواجب يفرض علينا جميعا ان لا نقف موقف الحياد او المتفرج ازاء خطر الارهاب الذي لم يعد من الممكن تجاهله او تغييبه بأي شكل من الاشكال.

والسؤال المطروح على الجميع هل ان لبنان هو جزء من التحالف ضد الارهاب ام لا؟ والجواب البديهي انه بغض النظر عن الائتلاف الذي تحدث ويتحدث عنه الرئيس الأميركي فان لا أحد من اللبنانيين يمكن ان يكون بمنأى عن القرار الرسمي او الشرعي اللبناني في مواجهة هذا الخطر المتفاقم.

من هنا، تؤكد المراجع ان الدعوات الى التمسك بسياسة الحياد او النأي بالنفس لم تعد تتناسب مع الواقع الراهن، كما أن اكتفاء مجلس الوزراء بتكرار اعلان دعمه للجيش والقوى الامنية في المعركة ضد الارهاب يعتبر تقصيرا في تحمّل المسؤولية الوطنية لأن المطلوب اليوم بلورة وصياغة سياسة متكاملة للانخراط في المعركة الشاملة ضد هذا الخطر، وهذا يستوجب صدور قرار على مستوى هذا الخطر يؤكد ان لبنان ليس على الحياد في الحرب المعلنة ضد «داعش» واخواتها والتزام الجميع بهذا الموقف وهذه السياسة.

فهل يضع مجلس الوزراء استراتيجية سياسية تواكب العمل العسكري والامني للدفاع عن لبنان في وجه الارهاب؟ وهل يبادر الى اعلان التعبئة العامة ضد الخطر الذي يهدد لبنان واللبنانيين؟ أليس ما عرضه وزير الداخلية نهاد المشنوق امس امام مجلس الوزراء من وقائع ومعطيات، امراً كافياً للاسراع في اتخاذ الخطوات العملية اللازمة لوضع وترجمة هذه الاستراتيجية؟