لم يكن العالم بحاجة إلى رؤية داعش وهي تقطع رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي وتدمّر الجوامع والكنائس وتصلب الأبرياء وتأكل الأكباد والقلوب حتّى يعي طبيعة ما يحدث منذ أربع سنوات مريرة شهدتها أجزاء كثيرة من الوطن العربي. وإذا كانتْ بعض الدول بطبيعة اهتماماتها وخصائصها الجغرافية والاقتصادية غير قادرة على تحليل التطورات التي شهدتها هذه المنطقة، فإنّه لا يمكن إطلاقاً قبول ذلك من دول وقادة كانوا جزءاً لا يتجزأ من التخطيط والتنفيذ المدمرين للأحداث التي جرفتْ المنطقة إلى حافّة الهاوية. وعندما تخطئ قيادات الدول الغربية التي أرادتْ إحداث تغيير جذري في الوطن العربي يهدف إلى خدمة مصالحها على حساب الشعب العربي ولو أدّى ذلك إلى تخريب المنطقة والعالم، فإنها يجب أن تكون مسؤولة أمام شعبها وأمام العالم ومؤسسات العمل الدولي المشترك عمّا اقترفته من أفعال مخزية.

الآن، يتحدّث القادة الغربيون عن ضرورة قيام تحالف دولي لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط لمواجهة خطر الإرهاب الذي تمثّله داعش على آسيا وأفريقيا وأوروبا. ومما استفز هؤلاء الذين كانوا حتّى قبل أيام قليلة ماضية يبشرون بالشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير هو فشلهم والكشف عن غبائهم، فإذا بهم يصابون بالهلع والهستيريا لرؤية ما فعلتْ أياديهم. داعش تنشر خرائط دولتها التي تصل إلى وسط أوروبا وشرق آسيا ومناطق واسعة في أفريقيا. وليس ذلك فحسب، بل أنّ مجرميها يحملون سكاكينهم ويفصلون رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي عن جسده، ويهددون أوروبا والولايات المتحدة بعمليات إرهابية ستطاول عواصم ومدن القارّة العجوز وأميركا.

مجلس الأمن يجتمع في نيويورك ويعتمد مشروع القرار الذي تقدّمتْ به بريطانيا لمكافحة خطر الإرهاب الذي تمثّله داعش وجبهة النصرة في سورية والعراق. وكي يكون شرف تبنّي القرار محصوراً بالدبلوماسية البريطانية، فإنّنا لم نرَ، كما جرتْ العادة، قيام دول أخرى أعضاء في مجلس الأمن باللهاث خلف إضافة أسمائها إلى قائمة الدول المتبنية لمشروع القرار. ولا أُبالغ إذا قلت إنّ هذا القرار قد حظي باهتمام خاص من قِبَل كل دول العالم. كيف لا، وهذا القرار يحدّد موقفاً دولياً لمكافحة الإرهاب من أعلى مؤسسة دولية تعنى بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين!

لم تمضِ عدّة ساعات بعد اعتماد القرار بموافقة جميع أعضاء مجلس الأمن وسط حماسة وتفاؤل المجتمع الدولي، إلاًّ وبدأت الساحة الدولية تشهد جدلاً حول مضمون القرار وكيفية تفسيره. والأدهى من ذلك، إنّ الجدل وصل إلى ممثلي الدولة التي قدّمتْ مشروع القرار أو تلك التي تنسّق عادةً معها عند استصدار مثل هذه القرارات. المندوب الدائم لبريطانيا، فرانكشتاين مجلس الأمن، وأم الصبي، يخرج علينا بتفسير عجيب غريب حول نطاق تنفيذ هذا القرار، الذي لم يكن حبره قد جف بعد، ليقول إنّ بلاده لن تتعاون في تنفيذ القرار مع حكومة البلد الذي تخوض داعش وجبهة النصرة معاركها على أرضه. ويطلع علينا بلد كبير آخر ليعلن مسؤولوه أنّهم سيتصرّفون كما يحلو لهم وخارج أطر العمل الدولي الجماعي، وأنّهم سيقومون بإنشاء آلياتهم الخاصّة بالتنفيذ.

أمّا العضو الدائم في مجلس الأمن، فرنسا، والتي فقدتْ مصداقيتها ودورها بفضل تهوّر قادتها واستخفافهم بالحد الأدنى من الحصافة والعقلانية السياسية والأدب والدبلوماسية، فإنّ لها فهمها المختلف عن كل الآخرين. فالقيادة الفرنسية التائهة والتي تبحث عبثاً عن دور لكنّها لا تجده، فقدتْ احترام الآخرين وقدرتهم على تحمّل حماقات وفشل هذه القيادة غير المتوازنة، لأنّها تتخبّط يميناً ويساراً نتيجة لفشلها في معالجة مشاكلها الاقتصادية والسياسية الداخلية ناهيك عن الحماقات والمغامرات التي ترتكبها في معالجة الوضع الدولي والتحولات التي يمر بها عالم اليوم. فلم يعد سرّاً، على سبيل المثال، أنّ رئيس هذه الدولة يصرّح من دون خجل أنّه قدّم أسلحة للمنظمات المسلّحة في سورية ومساعدات عينية ومالية أخرى لمجموعات تبخّرتْ نتيجة الانتصارات التي حقّقها الشعب السوري وجيشه البطل. وفي الوقت الذي يهرع فيه العالم في غالبيته لمقارعة قطعان داعش المتوحشة، فإنّ المؤسسة الرسمية الفرنسية لم تعِ حتّى الآن أنّ الوضع في سورية قد تغيّر عمّا كان عليه أيام الاستعمار في الأربعينات ومنذ بداية المؤامرة الفرنسية الغربية عليها في عام 2011. فالأسلحة الفرنسية الآن هي عملياً في يد داعش تقتل بها السوريين والعراقيين وتهدّد بها بعض الدول الأوروبية وقد تقتل بها مواطنين فرنسيين كما حدث عندما قتلت هذه المجموعات الصحافي الفرنسي جيل جاكيه. أعان الله الشعب الفرنسي على تحمّل مثل هذه القيادة! لقد كتبتْ الصحافة الفرنسية مؤخّراً الكثير عن تناقضات السياسة الفرنسية الحالية بقيادة فرانسوا هولاند الذي لا يحظى بأكثر من 17 في المئة من تأييد الشعب الفرنسي، إضافةً إلى رئيس دبلوماسيته لوران فابيوس الذين سقطتْ دبلوماسيتهما في مستنقع جمهورية جنوب أفريقيا الوسطى الذي أغرق به فرانسوا هولاند فرنسا من دون أي دعم أو أيّة آفاق للتسوية والذي يصفه الإعلام الفرنسي بالتهور العسكري باسم «مكافحة الإرهاب واحترام القانون الدولي».

وسط كل هذا الركام خرجتْ سورية كما هي دائماً متوازنة في موقفها دقيقة في تحليلها ودراستها لأوضاع المنطقة والعالم وقدّمتْ رؤاها وفهمها لما يجري في المنطقة والعالم. وقبل الولوج إلى فهم سورية لمندرجات القرار 2170، فإنّه لا بد من التأكيد مرّة أخرى على أنّ فهم سورية لما يجري في المنطقة يستند إلى أن ما نراه ما هو إلاَّ مخطّط لتصفية قضايا الأمّة العربية وتفتيت طاقاتها وإمكانياتها لإفساح المجال أمام مخططات الغرب للهيمنة على المنطقة وفسح المجال أمام «إسرائيل» لتنفيذ الدور الذي أُنشأتْ من أجله، بما في ذلك بشكل خاص شطب القضية الفلسطينية وإتمام تهويد فلسطين وطرد ما تبقى من الفلسطينيين على الأرض الفلسطينية.

سورية قالتْ منذ بدء الأحداث فيها مطلع عام 2011، إنّ من يعتدي على الدولة السورية ويلجأ إلى استخدام السلاح ضد قوّات حفظ النظام ويفجّر المواطنين الأبرياء في منازلهم وفي أماكن عملهم وأسواقهم هو إرهابي وتجب مقاومته شرعاً وبموجب القانون الوطني والقانون الدولي. إلاَّ أنّ أصحاب المخطّط الذين حلموا بأنّ سورية ستنهار اصطدموا بالجدار السوري الذي صمد أمام كل تحديات التاريخ وأمام الإصرار على الوقوف في وجه العاصفة العاتية دفاعاً عن الكرامة والشرف من قِبَل شعب سورية وجيشه الذي تربّى على الولاء للوطن والاستشهاد بدلاً من الخنوع والذل.

طيلة ثلاث سنوات صمدتْ سورية أمام أعدائها، أمام تحريض مُباشر من قادة الكثير من الدول بما في ذلك الدول الغربية على سفك دماء السوريين والتحريض الإعلامي الرخيص. لم يتردّد أعداء سورية في حملتهم ضد هذا البلد الشامخ في استخدام الإرهابيين والقتلة كأدوات لتدمير سورية لأنّها هي من تمثّل الحصن الأخير أمام هيمنتهم على المنطقة، وبالنتيجة على اقتصاد العالم، وتخويف وترهيب كل من يحاول صيانة استقلال بلده وسيادته من مغبّة القيام بذلك، وإلاَّ فإنّ مصيره سيكون الدمار والهزيمة.

يعتمد هؤلاء في تحقيق غاياتهم على أبشع أشكال الحروب، وكما يعرف الجميع فإنهم يعتمدون الآن على عملائهم وأدواتهم داخل البلدان نفسها، ولا يهمهم من يقتلون وكم يقتلون وماذا يدمّرون. كل همّهم الوصول إلى تحقيق أهدافهم طالما أنّ الإعلام والدعاية بأيديهم. وليس ذلك فحسب، بل أنّهم يستخدمون أدواتهم من حكومات رخيصة في المنطقة تدفع ثمن جرائمهم وتدفع عنهم ثمن عدوانهم وتتحمّل فاتورة كل ما يقومون به ضد الدول المستقلّة وذات السيادة. الكل يعرف أنّ من دفع فاتورة غزو ليبيا هي بعض الدول العربية التي تتلطى على أبواب حكّام الغرب لكسب رضاهم ودعم استدامة حكمهم ومصالح ملوك وأمراء تزكم روائح قذاراتهم الأنوف.

نعود للإضاءة على الموقف السوري المبدئي من محاربة الإرهاب أينما كان. فقد رحّبتْ سورية بقرار مجلس الأمن 2170، كما كانتْ قد رحّبتْ بالقرارات التي سبقته في إطار مكافحة الإرهاب، وأكّدتْ استعدادها للتعاون والتنسيق مع المجتمع الدولي وكذلك مع الأطر الثنائية لمكافحة الإرهاب. إلاَّ أنّ موقفها الحازم والواضح مرّةً أخرى تجلّى في إصرارها على أنّ أيّة عملية عسكرية على الأراضي السورية من دون التعاون مع الحكومة السورية التي تمثّل السيادة، هي بمثابة عدوان. بل أنّ الموقف السوري ذهبَ إلى ما هو أبعد من ذلك عندما أكّد أنّ سورية ستكون «في قلب أي ائتلاف لمكافحة داعش وجبهة النصرة وفروع القاعدة الأخرى على أساس الجدّية». وأكّدَ الموقف السوري أنّه لا يعقل إطلاقاً أن تكون هناك محاولات حثيثة للنيل من سورية ومحاصرتها اقتصادياً وإضعاف جيشها الذي يتصدّى أبطاله لداعش والنصرة على الأراضي السورية في الوقت الذي يدّعي البعض أنّهم يكافحون الإرهاب. وهنا لا نجد غضاضة من العودة إلى مؤتمر جنيف في مطلع هذا العام حيث أكّدت سورية آنذاك أنّ الأولوية في مداولات المؤتمر يجب أن تعطى لمكافحة الإرهاب انطلاقاً من مخاطره المحدقة بسورية والمنطقة. إلاَّ أنّ رعاة الائتلاف الاسطنبولي اتهموا سورية زوراً بممارسة التهرّب من مناقشة ما أسموه المرحلة الانتقالية، لكننا نفهم الآن أنهم كانوا جادين باتجاه مرحلة انتقالية تضمن لداعش استلام السلطة في سورية والمنطقة!!

وخلافاً لسياسات المعايير المزدوجة التي أصبحتْ صفة متأصّلة للسياسات الغربية، جاء الموقف الروسي الذي أعلنه الوزير سيرغي لافروف ليؤكّد على ثوابت أخلاقية ومبدئية في العمل السياسي الدولي إذ أكّدَ أنّه لا يحق لأي بلد أن يستغل قرار مجلس الأمن للقيام بعمل أحادي الجانب ضد أي بلد، وأنّ أي عمليات ضد الإرهابيين يجب أن تجري بموافقة الدول المعنيّة وبالتنسيق الوثيق معها وعلى قاعدة احترام سيادتها وبمراعاة تامّة للقانون الدولي وأنّ الكفاح ضد الإرهاب يجب أن يوحّد الجميع. وقد أعلن المسؤولون الروس لاحقاً أنّهم أجروا اتصالات مع الإدارة الأميركية لثنيها عن القيام بأعمال تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة والقرار 2170 الذي لا يتيح هذا النوع من الأعمال أحادية الجانب.

إنّ تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» بدأ في العراق عام 2006 تحت اسم جماعة التوحيد والجهاد. وهذا الاسم جاء بناءً على تغيير القاعدة لأسماء فروعها لتستقطب مزيداً من الجهاديين. وفي عام 2013 اندمجتْ هذه الجماعة مع جبهة النصرة في سورية تحت اسم داعش اختصاراً للدولة الإسلامية في العراق والشام. إلاَّ أنّ هذا التنظيم، ما كان له أن يقوى وينتشر لولا دعم دول معروفة له إضافةً إلى ممولين كبار ومتآمرين على العرب من بين العرب أنفسهم. وإذا كان من المتعذّر العودة بالتفصيل الآن إلى الدعم الذي قدّمته الولايات المتحدة للقاعدة لمحاربة الوجود السوفياتي في أفغانستان، الأمر الذي يتكرر الآن من خلال الدعم العسكري والمالي الذي تقدّمه دول عربية وغربية في مجالات التسليح والتمويل والإيواء للمجموعات الإرهابية المسلّحة، فإنّنا يجب أن لا نغفل نهائياً عن الدور المدمّر الذي تقوم به تركيا في دعم المجموعات المسلّحة. وقد ذكَرَ لي أحد الأصدقاء الذي زار مؤخّراً مدينة غازي عنتاب التركية، والذي عمِلَ سابقاً في مجال تقديم المساعدات الإنسانية في أفغانستان، أنّه عندما وصل إلى مطار غازي عنتاب فوجئ بأنّ تواجد «المجاهدين» في هذا المطار لا يختلف عمّا كان يراه في مدينة قندهار الأفغانية.

ذكَرَ محمود تانال، عضو لجنة حقوق الإنسان في حزب الشعب الجمهوري، وهو أكبر أحزاب المعارضة التركية، أنّ تنظيمي داعش والنصرة يقومان بتهريب النفط الذي تتم تصفيته عبر وسائل بدائية إلى تركيا. ومضى يقول: «وكأن كل ذلك لا يكفي، لتواكبها إقامة عناصر داعش في شقق يشترونها عبر وسطاء وشركاء أتراك لهم في مدن اسطنبول، وغازي عنتاب وكيليس ليجعلوها مركزاً ومأوى لهم». وأضاف تانال في مؤتمر صحافي أنّه تقدّم بشكوى قضائية ضد رئيس الوزراء والرئيس المنتخب لما وصفه بتسهيلهم تنقّل عناصر جبهة النصرة وداعش بين تركيا وسورية والعراق وإيوائهم داخل الأراضي التركية، وتلقيهم التدريب العسكري، وتقديم الخدمات الصحّية لهم في مستشفيات الدولة التركية. وشدّد تانال أنّه أرفقَ مع عريضة الشكوى الوثائق والمعلومات القاطعة التي تثبت تورّط الحكومة التركية بجريمة دعم الإرهاب.

في محاربة الإرهاب، لا مجال لازدواجية المعايير فالدول التي تقوم بتمويل الإرهاب وإيواء المجرمين الإرهابيين وتسليحهم معروفة جدّاً والإعلام الغربي وبعض المسؤولين الغربيين يقومون بتسميتهم الآن من دون أي تردد.

إنّ تنفيذ قرار مجلس الأمن 2170 يرتبط إلى حد كبير بالتزام الدول الغربية وحلفائها من أنظمة الخليج العربي بوقف تمويل وتسليح وحماية المجموعات الإرهابية. وتُجمع أجهزة الإعلام الغربية الأساسية على وجود الآلاف من الإرهابيين الغربيين في صفوف داعش. بل إنّ الوضع تفاقم من خلال قيام إرهابي بريطاني بقطع رأس الصحافي الأميركي فولي. ونعود هنا للتأكيد تحديداً على أهمية توقّف القادة الأوربيين وغيرهم عن التحريض ضد سورية أو العراق بأي شكل كان لأنّ ذلك ما هو إلاَّ دعوة ضمنية، أو بالأحرى صريحة، للمتطرفين والمجرمين للالتحاق بالمجموعات الإرهابية وكذلك توقّف الإعلام الغربي عن تمجيد المجموعات المسلّحة التي ترتكب جرائمها الإرهابية في سورية واعتبارها مجموعات إرهابية لا تُبرّر جرائمها أيّة شعارات لأنّ الإرهاب هو إرهاب، ولأنّ تشجيع إرسال المجموعات الجهادية إلى المنطقة يجب أن يتوقّف. وقد بدأنا نقرأ في وسائل الإعلام الغربية مؤخّراً أنّه من المعروف منذ سنوات أنّ الحرب على سورية جذبت المتشدّدين من كافّة أنحاء العالم وأنّ تنظيم الدولة الإسلامية يزداد قوّة بذلك، إلاَّ أنّ الغرب لم يحرّك ساكناً لسنوات. كما يمتلك قسم كبير من محاربي الدولة الإسلامية وثائق سفر غربية وهو مصدر تهديد حقيقي لأمن وسلامة العالم، ولهذا فإنّ المطلوب إيجاد استراتيجية دبلوماسية وإنسانية واقتصادية دولياً لمحاربته.

لا يمكن لأي كان أن يقنعنا أنّ الذي سيكون قادراً الآن على وقف تدفّق هؤلاء الجهاديين إلى الشرق الأوسط والتعرّف إليهم عندما يرتكبون جرائمهم أو ملاحقتهم عندما يعودون إلى بلدانهم في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا، لم يكن قادراً على القيام بذلك قبل أربع سنوات. ويُجمع الكثير من المحللين الموضوعيين الغربيين أنّه على رغم أنّ عناصر ما يسمّون بالدولة الإسلامية يقاتلون الآن بشكل رئيسي في سورية والعراق، فإنّه من الضروري التذكير بأنّ أيديولوجيتهم تمثّل تهديداً مباشراً لأمن أوروبا. ويؤكّد هؤلاء أنّ الاستراتيجية الوحيدة التي يتبناها تنظيم داعش هي قتل كل من يعتبره بأنّه عدو لأيديولوجيته، ونبّهوا إلى أنّ هذا التنظيم يحاول كسب أكبر عدد من المقاتلين من صفوف المسلّحين الذين يعيشون في الغرب.

في الحرب على الفاشية والنازية لم يكن هنالك أي مبرّر للتخلّف عن خوض غِمار الحرب العالمية الثانية، وفي الحرب على الإرهاب لا مجال للتردّد والتهاون والتراجع. وسورية الصامدة التي خاضتْ هذه الحرب وحيدة طيلة ما يزيد على ثلاث سنوات، يريحها أن ترى تفهّماً دولياً متزايداً ووعياً أكيداً لما يجري من حرب إرهابية على سورية وعلى العراق وضرورة التصدّي لتمدّد هذا «السرطان» إلى باقي دول المنطقة وما بعدها. ليس الآن وقت التنابذ فالخطر داهم على الجميع بما في ذلك على الدول التي قامتْ بتمويل وتسليح وإيواء الإرهاب والإرهابيين.

في سورية، دفعنا ثمن مقاومتنا للإرهاب أنهاراً من دماء شبابنا وأبناء شعبنا. وفي سورية قمنا بتشخيص الإرهاب على أنّه عدونا، وعدونا هو عدو البشرية، عدو الحضارة والعلم والتقدّم والبناء والحريّة وحقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق الطفل والمرأة والحكم الرشيد. وإذا كان العالم يموج لإيجاد منفذ للخروج من الورطة التي وضع نفسه فيها، فإنّنا لا نشمتْ ولا نحقد. فمع أوّل دعوة لمكافحة جماعية للإرهاب قالتْ سورية إنّها جزء لا يتجزأ من الحركة العالمية لمكافحة الإرهاب شريطة أن يتم ذلك في إطار القانون الدولي واحترام سيادة الدول والتشاور مع حكوماتها الشرعية وعدم القيام من أي طرف كان بعمل أحادي الجانب يلهي العالم بمشاكل أخرى ويحرف الانتباه عن مكافحة العدو المتمثّل هنا بالإرهاب.

إلى كل من راهن على إسقاط سورية من خلال الضغط عليها اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً أو من خلال تسليح وتمويل وإيواء الإرهابيين نقول: إنّ التراجع عن الخطأ كان دائماً فضيلة. فليتوقّف هؤلاء عن ارتكاب الخطأ تلو الخطأ بل والجريمة تلو الجريمة والعمل الإرهابي بعد العمل الإرهابي. شعب سورية موحّد وكأنّه بنيان مرصوص، إنّه شعب عظيم وغني بتراثه وحضارته ووعي أبنائه، كما أنّه غني بقائده الرئيس بشار الأسد الذي جسّدَ صموده آمال شعبه الذي لم يبخل عليه بالغالي والنفيس.

في كل فجر يوم جديد يصحو فيه شعب سورية فإنّه يشعر بالتفاؤل المتجدّد وينحني أمام شهدائه «أشرف من في الدينا وأنبل بني البشر» ويقبل جبين ويد كل أم شهيد ويؤكّد لها أنّ الدماء الطاهرة التي روتْ جبال سورية ووديانها وسهولها في معركتها ضد الإرهاب لن تذهب سدى.

وإذا كانتْ سورية في معركتها ضد الإرهاب ومحاولات طمس هويتها وشطب دورها الفعّال في حياة أسرتها العربية والمجتمع الدولي، فإنّها اليوم أكثر إصراراً على متابعة إرث أبطالها ورموزها. فسورية كانتْ السبّاقة إلى إشعال شموع النور والحضارة. وليس ذلك فحسب، بل أنّ سورية ستخرج من هذه الأزمة أكثر عزيمة وإصراراً على نشر عطر ياسمينها هنا وفي كل العالم.