حققت ​المقاومة الفلسطينية​ انتصاراً مدوياً، واضحاً وضوح الشمس على جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأجبرت حكومة العدو برئاسة بنيامين نتانياهو بعد 52 يوماً من عدوانها الإجرامي على قطاع غزة، من دون أن تنجح في تحقيق أي هدف من أهداف العدوان، على التسليم بجزء كبير من المطالب الفلسطينية تحت نار حرب الاستنزاف التي أكلت المزيد من الرصيد الشعبي لنتانياهو وجعلته يسرع في تلقف الاقتراح المصري الجديد والمتضمن صيغة من شقين، شق يحقق بعضا من مطالب المقاومة الفلسطينية بالتزامن مع وقف إطلاق النار، وشق آخر يُسهل على نتانياهو تجرع كأس قبول الهزيمة بتأجيل القسم الآخر من المطالب الفلسطينية لمرحلة ثانية من التفاوض تبدأ بعد شهر من تاريخ تنفيذ الاتفاق.

الشق الأول: الذي بوشر بتنفيذه فور مصادقة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على الاتفاق يتضمن:

1 - وقف إطلاق النار الشامل والمتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين قطاع غزة «وإسرائيل».

2 - سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية ومستلزمات إعادة الأعمار إلى القطاع.

3 - إعطاء الحق لصيادي غزة بالصيد البحري بعمق 6 أميال بحرية.

الشق الثاني: المؤجل وسيبحث من خلال استمرار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين خلال شهر من بدء تثبيت وقف اطلاق النار فيتضمن الموضوعات التالية:

1 - إقامة ميناء بحري على شاطئ غزة.

2 - فتح مطار غزة.

3 - توسيع مساحة الصيد لتصبح بعمق 12 ميلاً.

4 - تبادل الأسرى.

5 - فتح طريق بري للتواصل بين قطاع غزة والضفة الغربية.

ومن الواضح أن المقاومة ومنذ اليوم الأول ركزت على مطلب أساسي لن توقف الحرب من دون تحقيقه، وهو رفع الحصار الكامل عن قطاع غزة، بالتزامن مع أي وقف لاطلاق النار وبلا شروط والبدء بإعمار غزة، وهذا ما تحقق فعلاً.

أما المطالب الأخرى التي لم تتحقق بعد فإن المقاومة لأجل تحقيقها تملك في المفاوضات غير المباشرة المقبلة ثلاثة أسلحة مهمة تشكل أوراق قوة هي:

1 - المعادلة الردعية الجديدة التي فرضتها في مواجهة كيان العدو الصهيوني إن كان في القتال البري، أو في البحر، أو في حرب الاستنزاف، على أن هذه المعادلة سوف تترسخ أكثر مع الأيام المقبلة بفضل استمرار المقاومة في تطوير قدراتها العسكرية.

2 - وحدة وتماسك الشعب والمقاومة التي تعززت وترسخت بتحقيق النصر على العدوان.

3 - ورقة الأسرى الصهاينة حيث يوجد بحوزة المقاومة جثث جنود إسرائيليين، فيما تتحدث معلومات عن احتمال أن يكون لدى المقاومة جندي إسرائيلي أسير لازال على قيد الحياة.

هذه النتيجة التي أسفر عنها العدوان الإسرائيلي هي حصيلة طبيعية للهزيمة العسكرية التي مني بها جيش الاحتلال في ميدان المعركة وفشل خلالها في تحقيق أي هدف من أهدافه التي أعلن عنها وهي:

1 - تدمير قدرات المقاومة.

2 - نزع السلاح من غزة مقابل فك الحصار.

3 - تصفية قادة المقاومة.

4 - تدمير الأنفاق.

5 - تركيع الشعب الفلسطيني وفرض الاستسلام عليه.

6 - رفض التفاوض في ظل إطلاق النار.

7 - عدم السماح بإدخال إسرائيل في حرب استنزاف.

وبالتوقف أمام جميع هذه الأهداف والالتزامات التي أعلن عنها نتانياهو تباعاً خلال الحرب، يتبين أنه لم يتمكن من تحقيق أي هدف منها، وهو نحج فقط في تدمير الأبراج السكنية والبيوت فوق ساكنيها وارتكاب المجازر الوحشية بحق الأطفال والنساء والشيوخ، أما المقاومة وبنيتها وقيادتها وإرادة الصمود الشعبي فلم ينجح في النيل منها، وفوق ذلك فقد نجحت المقاومة في جره إلى حرب الاستنزاف وتدفعيه ثمن عدوانه على المستويات التالية:

المستوى الأول: تكبيد الكيان الصهيوني خسائر اقتصادية وبشرية كبيرة لم يسبق أن تعرض لها خلال حروبه السابقة مع العرب.

اقتصادياً: قدرت الخسارة المباشرة بعدة مليارات من الدولارات، أما الخسارة غير المباشرة الناتجة عن توقف حركة الإنتاج وضرب الموسم السياحي فهي اكبر من ذلك بكثير، في حين اشتدت المقاطعة الأوروبية الشعبية والرسمية للمنتجات الإسرائيلية.

بشرياً: مقتل أكثر من 70 ضابطاً وجندياً من نخبة الجيش الإسرائيلي حسب اعترافاته وجرح أكثر من 1700 جندي وضابط إلى جانب إصابة مئات المستوطنين.

المستوى الثاني: إفقاد كيان العدو حصانته الأمنية والاستقرار اللذين كان ينعم بهما، وبالتالي سقوط منظومة الأمن القومي الإسرائيلي التي شكلت أساس ثقة المستوطنين بقدرة جيشهم على حمايتهم وتوفير الحياة الهادئة لهم، ما انعكس وسينعكس في توقف الهجرة الصهيونية من الخارج إلى داخل فلسطين المحتلة، وارتفاع منسوب الهجرة من داخل فلسطين إلى خارجها خاصة من قبل المستوطنين حاملي جوازات السفر المزدوجة.

المستوى الثالث: تفجير الجبهة الداخلية الإسرائيلية في وجه ثلاثي الحرب نتانياهو، يعلون، غانتس، حيث وجه المستوطنون في جنوب فلسطين المحتلة انتقادات شديدة لهم، خاصة بعد هروب يعلون اثر تساقط صواريخ المقاومة خلال زياراته لمستوطنة ناحال عوز، وإقدام المستوطنين على النزوح عن مستوطناتهم.

المستوى الرابع: انهيار شعبية نتانياهو نتيجة إخفاقاته المتتالية وفشله في تحقيق أماني جمهوره في سحق المقاومة حيث انخفضت شعبيته من 82 في المائة في بدايات الحرب إلى 38 في المائة عشية قبوله اتفاق وقف النار ورضوخه لبعض شروط المقاومة لوقف حرب الاستنزاف التي أكلت جزءاً كبيراً من رصيده الشعبي.

المستوى الخامس: تفجير الاستقرار السياسي داخل الكيان الصهيوني. فالحكومة الإسرائيلية ظهرت مفككة، ومنقسمة حتى إن نتانياهو تجنب عرض الاتفاق عليه، خوفاً من عدم الموافقة عليها، واستعان بالمستشار القضائي الذي صرح له باتخاذ القرار من دون العودة إلى المجلس الوزاري المصغر، وقام بعد ذلك بإبلاغ الوزراء باتفاق وقف النار عبر الهاتف.

وكتعبير عن حال الهزيمة التي أصابت كيان العدو وصف أحد الوزراء الصهاينة الاتفاق الذي وافق عليه نتانياهو بالعار بالنسبة لإسرائيل، فيما سادت أجواء الارتباك والغضب والإحباط لدى غالبية الوزراء الذين صدموا بقرار نتانياهو بعدما كانوا قد رفعوا من سقف مواقفهم.

على أن ما ينتظر نتانياهو وفريقه الحكومي هو لجنة تحقيق في أسباب الهزيمة على غرار لجنة فنيوغراد بعد هزيمة 2006 في لبنان، هذا عدا عن لجان التحقيق الدولية في جرائمه ومجازره الوحشية ضد الشعب الفلسطيني.

خلاصة القول: إن المقاومة نجحت في إدارة معركة كبيرة مع الجيش الإسرائيلي الذي يعتبر أقوى جيش في المنطقة، ومن الجيوش المتطورة في العالم، وتمكنت عبر اعتماد أساليب وتكتيكات حرب العصابات المستخلصة من دروس المقاومة في لبنان وفيتنام والجزائر وغيرها، من تجارب المقاومة المسلحة، من صناعة النصر، الذي ما كان ليتحقق أيضا بهذا الوضوح لولا الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، ما شكل ملحمة وطنية تجسدت فيها معادلة الشعب والمقاومة، والوحدة الوطنية الفلسطينية بأبهى صورها فتحقق النصر الذي ستكون له تداعيات كبيرة وهامة على مجمل الصراع العربي الصهيوني في القادم من الأيام لان ما بعد انتصار غزة 2014 غير ما قبله بكل تأكيد.