احتفالات في قطاع غزة بالنصر الثمين الذي حققته المقاومة على الجيش «الإسرائيلي»، يقابلها تفجّر الخلافات داخل حكومة العدو، وتزايد المؤشرات على تراجع شعبية رئيسها بنيامين نتنياهو، وسط إقرار غالبية «ال​اسرائيل​يين» بان «إسرائيل» لم تنتصر في الحرب، في حين أقرّ المحللون الصهاينة بتصدّع الفقاعة الأمنية «الإسرائيلية» التي بُنيت بعد توقف الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وانتهاء زمن الردع «الإسرائيلي» وأنّ «إسرائيل» أصبحت قوة مرتدعة تواجه آلام التقلّص كباقي الأمبراطوريات السابقة.

هذه خلاصة المشهد الذي ساد بالأمس على ضفتي قطاع عزة من ناحية، وكيان العدو من ناحية ثانية.

ومن يدقق في تفاصيل المشهد «الإسرائيلي» يلحظ الأمور التالية:

الأمر الأول: إن «الإسرائيليين» مقبلون في الأيام القادمة على مواجهة أزمة اقتصادية ـ اجتماعية ناجمة عن تكلفة الحرب والخسائر الباهظة التي مُنيت بها «إسرائيل» بفعل نجاح المقاومة في شلّ الاقتصاد الاسرائيلي وتعطيل السياحة طوال ايام الحرب التي دامت 51 يوماً، حيث يتوقع أن تكون هناك انعكاسات سلبية على الوضع الاجتماعي وتبدّد الآمال التي عقدت سابقاً على إحداث تحسينات في الأوضاع الاجتماعية.

الأمر الثاني: إنّ «إسرائيل» ستواجه حالة من الشلل السياسي على خلفية احتدام الخلافات والصراعات داخل الحكومة «الإسرائيلية» وهذا يعني أن مرحلة الاستقرار السياسي التي سادت في السنوات الأخيرة بعد وصول نتنياهو إلى السلطة قد انتهت، وهذا لم يكن ليحصل لولا الهزيمة «الإسرائيلية» الجديدة أمام المقاومة في غزة.

الأمر الثالث: إن «إسرائيل» لم تعد قادرة على ردع المقاومة، وإن محاولاتها المتتالية لاستعادة قوتها الردعية والتحكم بقواعد الصراع في مواجهة المقاومة في غزة ولبنان قد أخفقت، وتأكد أنها دخلت فعلياً، منذ هزيمتها عام 2000 و2006 في لبنان، ومن ثم عام 2008ـ2009 في غزة مروراً بعام 2012 وصولا إلى عام 2014 في غزة أيضاً، مرحلة عدم القدرة على تحقيق النصر في الميدان، وبالتالي التقلّص بعد أن انتهى زمن توسعها منذ بدء انكفائها تباعاً عن الأراضي اللبنانية التي احتلتها في اجتياح لبنان عام 1982.

الأمر الرابع: دخول «إسرائيل» ما سمّي إسرائيلياً مرحلة عدم الوضوح الخطير، في ظل مرحلة جديدة بدأت فيها المقاومة في غزة عقب اتفاق وقف النار العودة إلى تجديد عملية حفر الأنفاق وإنتاج الصواريخ، وتطويرها الأمر الذي يضع «إسرائيل» أمام السؤال الصعب: ماذا ستفعل هل تفضل الحفاظ على الهدوء وضبط النفس؟ أم تلجأ إلى استئناف العدوان وبالتالي عودة تساقط الصورايخ العمق الصهيوني ومستوطناته في جنوب فلسطين المحتلة وما يعنيه ذلك من عودة حرب الاستنزاف التي أجبرتها على الرضوخ لمطالب المقاومة بفك الحصار؟.

الواضح أنّ إسرائيل في ظل هذه المعادلة الردعية الجديدة التي فرضتها المقاومة عليه باتت لا تستطيع العودة للمواجهة أقله في المدى المنظور وهو ما يوفر للمقاومة الظروف الملائمة لتطوير قدراتها الصاروخية الردعية على نحو يجعلها في أي مواجهة في المستقبل أكثر قدرة على إيلام العدو وتكبيده خسائر أكبر بكثير مما تكبدّه في كلّ حروبه السابقة.

الأمر الخامس: انطلاقاً مما تقدم بدأ التفكير «إسرائيلياً» في البحث عن سبل الخروج من هذه الأزمة التي باتت ترزح تحت وطأتها على كل الصعد السياسية والاقتصادية وفي علاقاتها الدولية، وتوجيه التهم القضائية لها بارتكاب جرائم حرب في غزة، ويبدو أن حديث نتنياهو عن الأفق السياسي الجديد يندرج في هذا السياق باعتباره السبيل لإعادة تلميع صورته الدولية وتجنّب استمرار الصراعات مع الإدارة الأميركية، لكن في حال تبيّن حسب صحيفة «هآرتس» أن كلام نتنياهو مجرّد «شعارات عبثية، لشرعنة بقائه غير المفيد في مقعد رئاسة الحكومة، فإنه من المتوقع أن يتحطم، فاليمين الذي خاب أمله لن يدعمه مرة أخرى، وسلطته وصلت إلى نهايتها بدون أن يحقق شيئا».