لا يمرّ أسبوع على طرابلس من دون إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" عن عملية انتحارية في العراق أو سوريا تحمل توقيع أحد أبناء المدينة أو سكانها. فمنذ أيام تلقى أهالي حارة الرفاعية خبر تنفيذ جارهم في سوق العطارين هشام الحاج أو "أبو طلحة اللبناني" بحسب تنظيم الدولة و"أبو مجاهد" بالنسبة الى الطرابلسيين، عملية انتحارية في بغداد الجديدة. قبله بأيام وصل خبر مماثل الى الحارة عينها، وفيه أن خالد الحاج الذي يحمل لقب "أبو هاجر" وهو من شباب الحارة، فجر نفسه أيضاً في الكاظمية في سيارة مفخخة مرسلة من "داعش". وقبل "أبو طلحه" و"أبو هاجر" سبقهما الى العمليات الإنتحارية المماثلة "أبو حلص" أو مصطفى عبد الحي وهو شاب من منطقة المنكوبين.

قد تكون هذه الظاهرة مرعبة بالنسبة الى الغالبية الساحقة من الطرابلسيين خصوصاً واللبنانيين بشكل عام، لكنها عادية جداً بنظر الإسلاميين. وفي هذا السياق يروي شيخ طرابلسي متشدد عن ذهاب عشرات الشباب من عاصمة الشمال الى ما يُسمّى بالجهاد مع الدولة الإسلامية في العراق والشام، مشدداً على أن ذلك يتم بطريقة فردية لا تنظيمية. ويتابع: "منذ مدّة غادرت طرابلس مجموعة من أربعة شبان الى العراق، حتى هذه اللحظة وصلتنا أخبار عن تنفيذ إثنين منهم عمليتين انتحاريتين في مناطق "الروافض"، وعلمنا أيضاً أن الشاب الثالث عاد الى لبنان بعدما شعر بالخوف والتردد قبل تنفيذه أي عملية، أما الرابع فلم يعرف مصيره بعد". وعند السؤال عن هوية الشاب العائد المتردد، يرفض الإسلاميون إعطاء أي تفصيل عنه على إعتبار أن القوى الأمنية اللبنانية لن تتردد ولو للحظة واحدة، قبل أن تنفذ عملية دهم لمنزله وتلقي القبض عليه بتهمة الإرهاب فيما لو عمد الإعلام الى ذكر إسمه أو أي معلومات عنه.

في شارع الإسلاميين، القضية مقبولة وعادية جداً، "شبان متحمسون لطائفتهم، يشعرون بالغبن عندما يرون عشرات لا بل مئات المقاتلين من حزب الله، يذهبون للقتال في سوريا بكامل عتادهم وعتيدهم، من دون أن يتم توقيفهم من قبل السلطات اللبنانية، فيلجأون الى السفر بسرية تامة ومن دون معرفة الأهل والأصدقاء لتنفيذ هذه العمليات مع الدولة الإسلامية في العراق والشام.

أما في الشارع الطرابلسي عموماً، فظاهرة تصدير الإنتحاريين ليست بالأمر الذي يجب أن يمر مرور الكرام خصوصاً أن من ينفذ عملية انتحارية في العراق، ما من رادع سيمنعه من تنفيذها داخل الأراضي اللبنانية وتحديداً في مناطق يعتبرها "داعش" صيداً ثميناً له. من يرفض في طرابلس الفكر المتشدد، يعتبر أن "أهل السنة لن يكونوا بمنأى عن هذه العمليات الإنتحارية فيما لو نقلها التنظيم الى لبنان، وكيف لا وهو الذي يكفّر كل الأديان والمذاهب التي لا تشاركه الرأي والعقيدة، ويذبح العسكريين والمدنيين من أهل السنة".

لذلك على الدولة أولاً والفعاليات السياسية والدينية في عاصمة الشمال ثانياً الدعوة الى سلسلة إجتماعات طارئة ينتج عنها تشكيل لجنة مهمّتها الوحيدة وضع حدّ لهذه الظاهرة الخطيرة، بعد معرفة ما الذي يجرّ هؤلاء الشباب الى تنفيذ هذه العمليات، وتأمين ما يجعلهم يبتعدون عن هذه التنظيمات الإرهابية، أكان البديل إجتماعياً مادياً عبر فرص العمل أو دينياً من خلال تنظيم الندوات لمشايخ الإعتدال، وصولاً الى قرار يتخذ في وسائل الإعلام يمنع ظهور أي متشدد على الشاشات والإذاعات، للحد قدر الإمكان من التحريض.